وعلم النحو إنما احتاج الناس إليه حين بدأ اللسان يختلف، ويقال: إن أول من ابتكره أبو الأسود الدؤلي في زمن علي بن أبي طالب رضي الله عنه، وذلك حينما دخل على ابنته وهي مضطجعة على فراشها تنظر إلى السماء وإلى المصابيح في الدجى، فقالت: يا أبت، ما أحسنُ السماء؟ فأجابها: نجومها.
لأن قولها: ما أحسنُ السماء، يعني: أي شيء أحسن في السماء؟ فقال: نجومها، وهي لا تريد هذا، إنما تريد أن تتعجب من حسن السماء، فقالت: لست أريد هذا، إنما أريد أن أتعجب من حسنها.
قال: يا بنية! افتحي فاك فقولي: ما أحسنَ السماءَ! لأنها إذا قالت: ما أحسنَ السماء! صارت الجملة جملة تعجب، وهذا هو المراد.
فذهب أبو الأسود الدؤلي إلى علي بن أبي طالب رضي الله عنه وأخبره الخبر، وكأنه يقول: أدرك الناس لا يفسد لسانهم، فوضع له شيئاً من القواعد وقال له: انح هذا المنحى، فسمي علم النحو.
وعلم النحو وعلم الصرف صنوان يكمل أحدهما الآخر، لكن الناس إلى علم النحو أحوج منهم إلى علم الصرف؛ لأن علم النحو هو الذي تتغير به الكلمات كثيراً، وعلم الصرف تبقى الكلمة على ما هي عليه في اللغة لا تتغير سواء كانت فاعلاً أو مفعولاً أو مجروراً، لكن علم النحو هو الذي يكثر فيه التغيير، ولهذا كانت حاجة الناس إليه أعظم من حاجتهم إلى علم الصرف.