ثم قال: [وبعد جره الذي أضيف له كمل بنصب أو برفع عمله] قول المؤلف: (بعد جره الذي أضيف له) أي: بعد جر المصدر الذي أضيف له، فهنا (جره) مصدر مضاف إلى الفاعل، وقوله: (الذي أضيف له) مفعول به في محل نصب.
يعني: إذا أضفت المصدر إلى اسم فإنه يكون في محل جر.
يقول: (كمل بنصب أو برفع عمله) أي: كمل بنصب إن أضيف إلى الفاعل، أو برفع إن أضيف إلى المفعول.
فأفادنا المؤلف رحمه الله من هذا البيت قاعدة وهي: أن المصدر يضاف إلى فاعله فينصب مفعولاً، ويضاف إلى مفعوله فيرفع فاعله، فإذا كان الفعل ينصب مفعولين؛ فإن مصدره ينصب المفعولين، مثل أن تقول: عجبت من ظنك زيداً قائماً، فظنك يضاف إلى الفاعل، و (زيداً) مفعول أول، و (قائماً) مفعول ثاني.
وعجبت من إعلامك زيداً عمراً واقفاً، نصب المصدر ثلاثة مفاعيل.
ومثال إضافته إلى المفعول ويأتي بعده الفاعل قول الشاعر: تنفي يداها الحصى في كل هاجرة نفي الدراهيم تنقاد الصياريف (الهاجرة) هي شدة حر الشمس، فهو يصف ناقته بأنها قوية تمشي، إذا ضربت الحصاة فإنها تنفيها.
(نفي الدراهيم تنقاد الصياريف) الدراهيم جمع درهم، وتنقاد بمعنى: نقد، والصياريف يعني: الصيارفة، فالصيارفة عندما يعدون الدراهم يعدونها بسرعة فائقة.
وقوله: (نفي الدراهيم)، نفي مصدر مضاف إلى مفعوله، (تنقاد) فاعل نفي، و (تنقاد) مضاف و (الصياريف) مضاف إليه.
إذاً: نقول: إن المصدر يضاف إلى فاعله فينصب مفعوله أو مفاعيله، ويضاف إلى مفعوله فيرفع فاعله.
يقول: [وجر ما يتبع ما جر ومن راعى في الاتباع المحل فحسن] إذا جر فإن الذي يتبع المجرور يجوز فيه وجهان: أحدها: مراعاة اللفظ، وإذا راعينا اللفظ صار التابع مجروراً.
والثاني: مراعاة المحل، وحينئذ يكون مرفوعاً أو منصوباً.
تقول: عجبت من ضرب زيدٍ الطويل عمراً.
فهنا أضيف المصدر إلى الفاعل، والفاعل محله في الأصل الرفع، لكنه مجرور لفظاً بالإضافة، فيجوز أن تقول: من ضرب زيد الطويلِ عمراً، ويجوز: من ضرب زيد الطويلُ عمراً.
والأحسن مراعاة اللفظ إلا إذا حصل لبس، فلو قلت: عجبت من ضرب زيدٍ القويَّ عمراً، بالجر احتمل أن تكون (القوي) صفة للضرب، وأن تكون صفة للضارب فحينئذ تترجح مراعاة المحل، فنقول: عجبت من ضرب زيدٍ القويُّ عمراً.
إذاً: الأصل مراعاة اللفظ، لكن إذا كان هناك لبس فالأفضل مراعاة المحل؛ ولهذا قال: (من راعى في الاتباع المحل فحسن) فجعله حسناً، ثم هو قد يكون أحسن وقد يتعين أحياناً أن نراعي المحل إذا خيف اللبس.