قال المؤلف: [واستعمل اسماً وكذا عن وعلى من أجل ذا عليهما من دخلا] أي: تستعمل الكاف اسماً بمعنى مثل: ومن أمثلة ذلك: ما رأيت كاليوم قط، أي: ما رأيت مثل اليوم قط.
وهل هذا قياس أو سماع؟ الظاهر أنه قياس، وأن كل شيء تدخل عليه الكاف يصلح أن تكون في معنى (مثل) ما لم يوجد مانع، حتى قولنا: زيد كالبحر، يصلح أن نقول: الكاف اسم بمعنى مثل، وحينئذ تكون مبنية على الفتح في محل رفع أو نصب أو جر حسب الحال.
فزيد كالبحر، نقول: زيد: مبتدأ، وكالبحر: الكاف اسم بمعنى مثل، وهي مضافة إلى البحر، والبحر مضاف إليه.
وظاهر كلام ابن مالك في قوله: (واستعمل اسماً) أن ذلك سماعي، يعني: استعمل عند العرب ولكن لا تستعمله أنت، فيقتضي أن يكون ذلك سماعياً، وأما أنت فلا تستعمله.
قوله: (وكذا عن وعلى) يعني: واستعمل كذلك (عن) اسماً، وكذلك (على) استعمل اسماً.
يقول المؤلف: (من أجل ذا عليهما مِنْ دخلا).
يعني: من أجل استعمال عن وعلى اسمين صح أن يدخل عليهما (مِنْ).
وإعراب البيت: استعمل: فعل ماض مبني للمجهول، ونائب الفاعل مستتر يعود على الكاف.
اسماً: حال من نائب الفاعل.
وكذا عن: مبتدأ وخبر.
وعلى: معطوف على ما قبله.
من أجل ذا: متعلق بقوله (دخلا).
عليهما: متعلق بقوله (دخلا) أيضاً، يعني: من أجل كونهما اسمين صح دخول (مِنْ) عليهما.
وهنا الشارح خالف، فإن الشارح يقول: لا يستعملان اسماً إلا إذا دخل عليهما (مِنْ)، وليس كذلك، فإن ظاهر كلام ابن مالك هو الحق، وهو أنهما يستعملان اسمين مطلقاً، وأن الدليل على أنهما يستعملان اسمين دخول مِنْ.
والمعنى: أنَّ (عن) يجوز أن تكون اسماً، تقول مثلاً: مررت مِنْ عن يمينه، و (مِنْ) مِنْ حروف الجر وهي لا تدخل إلا على اسم.
فتكون (عن) هنا بمعنى (جانب)، أي: مررت من جانب يمينه، وكذا: مررت من عن شماله، أي: من جانب شماله.
والإعراب: مررت: فعل وفاعل.
من: حرف جر.
عن: اسم مبني على السكون في محل جر.
وعن مضاف، ويمين مضاف إليه، والهاء مضاف إليه أيضاً.
وكذلك (على) تقول: مررت إليه من على السطح، فيكون معناها: فوق، وإعرابها أن تقول: من: حرف جر.
على: اسم مبني على السكون في محل جر بمن، وعلى مضاف، والسطح مضاف إليه مجرور وعلامة جره كسرة ظاهرة في آخره.
وتأتي (على) فعلاً، لكن الرسم يختلف، أما اللفظ فهو واحد، تقول: علا الماء على العتبة.
علا: فعل ماض.
الماء: فاعل.
على العتبة: جار ومجرور.
فصارت (على) تأتي اسماً وفعلاً وحرفاً، و (عن) تأتي حرفاً وتأتي اسماً، و (من) تأتي حرفاً وتأتي فعل أمر من: مان يمين، بمعنى: كذب يكذب.
وهذا وأمثاله كثير مما يؤيد ما ذهب إليه شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله، من أنه لا مجاز في اللغة العربية، وأن الكلمات ليس لها معنى ذاتي، وأن الذي يحدد معنى الكلمة هو سياق الكلام.
وإذا تدبرت كلامه وجدته حقيقة، وأهم شيء عندي باعتبار كلامه هو أن نوصد الباب أمام أهل التحريف في الأمور العلمية وفي الأمور العملية؛ أفلا ترون إلى أولئك الذين يستغيثون بالرسول عليه الصلاة والسلام ويقولون: هو أكرم الناس جاهاً، فهؤلاء حرفوا في أمور عملية، وهناك أيضاً مسائل عملية في باب المعاملات وغيرها حرف بعض العلماء فيها النصوص ارتكاباً للمجاز، فنحن إذا قلنا: المجاز في اللغة العربية معدوم والكلمات يعينها سياقها وأحوال من تكلم بها، سلمنا من التحريف.