ثم قال المؤلف: [شبه بكاف وبها التعليل قد يعنى وزائداً لتوكيد ود] شبه بكاف: يعني: ائت بها للتشبيه، وعلى هذا فيكون المعنى أن الكاف للتشبيه، مثاله: زيد كالبدر في الجمال وكالبحر في العلم.
وأمثلتها كثيرة في القرآن وفي غير القرآن: {أَوْ كَظُلُمَاتٍ فِي بَحْرٍ لُجِّيٍّ} [النور:40] {أَوْ كَصَيِّبٍ مِنَ السَّمَاءِ} [البقرة:19] {مَثَلُهُمْ كَمَثَلِ الَّذِي اسْتَوْقَدَ نَارًا} [البقرة:17].
قوله: (وبها التعليل قد يعنى).
بها: جار ومجرور متعلق بيعنى.
التعليل: مبتدأ، وجملة (قد يعنى) خبره، ومعنى يعنى: يقصد، أي: وقد يقصد بها التعليل، و (قد) هنا تفيد التقليل، وهو كذلك بالنسبة للتشبيه، أعني أن معنى التعليل في الكاف قليل بالنسبة لمعنى التشبيه، مثاله قوله تعالى: {وَاذْكُرُوهُ كَمَا هَدَاكُمْ} [البقرة:198]، ليس المراد تشبيه الذكر بالهداية، بل المراد تعليل الأمر بالذكر بالهداية، أي: اذكروه لهدايته إياكم.
ومنه على القول الصحيح: اللهم صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم، يعني: أنت صاحب الكرم أولاً وآخراً، ومن أجل أنك صليت على هذا فصل على هذا، وبهذا المعنى يزول الإشكال الذي أورده كثير من أهل العلم على هذا الحديث، وقال: المعروف أن المشبه به أقوى من المشبه، ومعلوم أن الرسول صلى الله عليه وسلم أفضل من إبراهيم، فكيف يشبه الأفضل بالمفضول؟ ولكن إذا قلنا: إن الكاف هنا للتعليل، وإن ذكرها من باب التوسل بنعم الله السابقة على نعمه اللاحقة، فإنه يزول الإشكال نهائياً.
قوله: (وزائداً لتوكيد ورد) يعني: وورد زائداً للتوكيد.
ولما كان يخشى أن يقال: إن الزائد لا فائدة له، قال: (لتوكيد).
فإذا قيل: لماذا لم يقلها فيما سبق؛ لأنه قال: فيما سبق: وزيد؟ قلنا: لأنه يشير إلى آية من القرآن اشتهرت بين الناس، وهي قوله تعالى: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ} [الشورى:11]، فلهذا نص على أنه للتوكيد؛ لأن الآية تدل على امتناع مشابهة المخلوقين للخالق.
فمن أجل هذا اختلفت أقوال الناس فيها كيف يخرجونها: فقال بعضهم: بأن الكاف زائدة، وهذا الذي مشى عليه ابن مالك، وهو مشهور، وعلى هذا فيكون تقدير الكلام: ليس مثله شيئاً، يعني: ليس شيء يماثل الله، وهذا معنى واضح وبسيط، وتكون الكاف للتوكيد فكأن المثل نفي مرتين؛ لأن الكاف للتشبيه ومثل للتمثيل، أو كأنه نفي المماثل والمشابه معاً.
وهناك فرق بين التشبيه والتمثيل: فالتمثيل: المطابقة من كل وجه.
والتشبيه: المقاربة، يعني: المماثلة بأكثر الصفات، ولهذا يقال: فلان شبيه بفلان، أي: مقارب له في أكثر الصفات، لكن: فلان مثل فلان، أي: مطابق له.
هذا وجه.
الوجه الثاني: إن الزائد كلمة (مثل) يعني: ليس كهو شيء، وهذا كما قلت لكم قبل قليل عند قوله: {بِمِثْلِ مَا آمَنتُمْ بِهِ} [البقرة:137]، خلاف الأولى؛ لأن زيادة الحروف أهون من زيادة الأسماء.
والقول الثالث: أن مثل بمعنى صفة، أي: ليس كصفته شيء من الصفات.
والقول الرابع: أن مثل بمعنى ذات، أي: ليس كذاته شيء.
وهذان القولان الأخيران إنما لجأ إليهما القائل فراراً من إثبات الزيادة، وإلا فهما بعيدان من ظاهر اللفظ، لكن قال: بدل ما أقول: الكاف زائدة ومثل زائدة أقول: ليس كذاته شيء، أو ليس كصفته شيء.
ولكننا نقول: ما دامت اللغة العربية فيها مثل هذا الأسلوب وتزاد فيها الكاف تأكيداً، فلا مانع، والله تعالى نزَّل القرآن بلسان عربي مبين، والعرب إذا قالوا: ليس كمثل فلان، فمعناه: أنه لا يمكن أن يكون أحد يماثله أو يقاربه، وأنشدوا على ذلك: "ليس كمثل الفتى زهير".
والخلاصة: أن الكاف تأتي زائدة لكن للتوكيد، وأن ابن مالك رحمه الله إنما قال (لتوكيد) في هذه المسألة ولم يقلها فيما سبق؛ لأنها اشتهر فيها هذا المثال الذي يتعلق بصفات الله تبارك وتعالى.