ثم قال: (بعن تجاوزاً عنى من قد فطن).
إعراب الشطر: بعن: جار ومجرور متعلق بعنى.
تجاوزاً: مفعول مقدم بعنى.
عنى: فعل ماض.
من: اسم موصول فاعل.
قد فطن: جملة فعلية صلة الموصول لا محل لها من الإعراب، وترتيب البيت: عنى من قد فطن تجاوزاً بعن ومعنى (عنى) قصد وأراد، يعني: أن (عن) من معانيها المجاوزة، والمجاوزة معناها: مرور شيء بشيء وانفصاله عنه، مثاله: {وَمَا فَعَلْتُهُ عَنْ أَمْرِي ذَلِكَ} [الكهف:82]، ويقولون: رميت السهم عن القوس، يعني: مجاوزاً القوس.
قال المؤلف: [وقد تجي موضع بعد وعلى كما على موضع عن قد جعلا] قوله: (قد تجي موضع بعد) يعني: قد تأتي (عن) بمعنى (بعد)، فتكون للترتيب، ومثلوا لذلك بقوله تعالى: {لَتَرْكَبُنَّ طَبَقًا عَنْ طَبَقٍ} [الانشقاق:19]، أي: طبقاً بعد طبق.
ويمكن أن نقول: إن هذا المعنى يرجع إلى المجاوزة؛ لأن معناه: تنتقلون من حال إلى حال، وتجاوزون الحال الأولى إلى الحال الثانية، ولهذا فالأصل في (عن) أن تأتي للمجاوزة؛ لكن في بعض الأحيان تكون واضحة، وفي بعض الأحيان تحتاج إلى تأمل.
قوله: (وعلى) يعني: تأتي عن بمعنى (على)، ومثلوا له بقول الشاعر: لاه ابن عمك ما أفضلت في حسب عني أي: ما أفضلت عليَّ.
أفضل: فعل ماض، والتاء ضمير مخاطب فاعل.
قال المؤلف رحمه الله تعالى: (وقد تجي موضع بعد وعلى كما على موضع عن قد جعلا) يعني: كما أن (على) تأتي بمعنى (عن)، فإذا قال قائل: أليس هذا تكراراً؛ لأنه قد تقدم قوله: (على للاستعلاء ومعنى في وعن)؟
و صلى الله عليه وسلم هو في الحقيقة من حيث المعنى تكرار، لكنه تكرار لفائدة، وفائدته: أن هذين الحرفين وهما (عن وعلى) يتناوبان المعنى، فكأن ابن مالك في الشطر الأخير يقول: إن هذا من باب تناوب الحروف.