ثم قال المؤلف: (وسبق حال ما بحرف جر قد أبوا).
الإعراب: سبق: مفعول مقدم لأبوا.
وسبق مضاف وحال مضاف إليه.
ما: اسم موصول مبتدأ.
بحرف: جار ومجرور متعلق بجر.
جر: فعل ماض وهو صلة الموصول.
قد أبوا: الجملة خبر ما، وتقدير البيت بالترتيب: والذي جر بحرفٍ قد أبوا أن يسبق الحال.
والمعنى: لا يمكن أن تسبق الحال صاحبها المجرور بحرف جر، وتقدم أن صاحب الحال قد يتأخر عنها في قوله: (إن لم يتأخر أو يخصص)، أي أنه يجوز أن يتأخر صاحب الحال عنه في بعض الحالات.
أما إذا كان صاحب الحال مجروراً بحرف الجر فإنه عند النحويين لا يتقدم، لكن ابن مالك خالفهم، قال: (ولا أمنعه فقد ورد) أي: عن العرب.
فالحاصل: أن الحال يجوز تقدمها على صاحبها إذا كان فاعلاً مثل: جاءني راكباً زيدٌ، ويجوز تقدمها على صاحبها إذا كان مفعولاً به مثل: ضربت قائماً زيداً، ولا يجوز أن تتقدم على صاحبها إذا كان مجروراً بحرف جر عند النحويين، وعند ابن مالك يجوز، فالنحويون يقولون: لأن حرف الجر لا يعمل ما بعده فيما قبله، وابن مالك يقول: قد ورد ذلك عن العرب فيجوز.
مثاله: مر نائماً بي زيد.
فهذا المثال عند ابن مالك يجوز، وعند النحويين لا يجوز، وحجة ابن مالك أنه قد ورد عن العرب كما في قول الشاعر: لئن كان برد الماء هيمان صادياً إليَّ حبيباً إنها لحبيبُ حبيباً: خبر كان منصوب؛ لأن كان فعل ماض، وبردُ: اسمها، وبرد مضاف والماء مضاف إليه.
هيمان: هذه حال.
صادياً: حال ثانية.
إليّ: هذه الياء هي صاحبة الحال.
والهيمان معناه: شديد العطش، كما قال تعالى: {فَشَارِبُونَ شُرْبَ الْهِيمِ} [الواقعة:55].
وقوله: (إنها) أي: محبوبته.
(لحبيب)، ومعلوم عند كل أحد أن برد الماء للهيمان الصادي حبيب.
فهذا شاهد على أنه ورد في لسان العرب جواز مجيء الحال من صاحبها المجرور متقدمة عليه، وكلام العرب هو الدليل في باب النحو، ولا نقول في النحو: ائت بدليل من الكتاب والسنة، لكن نقول: ائت بدليل من كلام العرب، وإذا كان من القرآن فهو أفصح كلام العرب، بل أفصح كلام في الوجود، وكذلك إذا كان من كلام الرسول صلى الله عليه وسلم.