قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ولم ينكر غالباً ذو الحال إن لم يتأخر أو يخصص أو يبن من بعد نفي أو مضاهيه].
ذو: بمعنى صاحب، والنكرة ضد المعرفة، أي: يشترط في صاحب الحال يكون معرفة كما يؤخذ من قوله: (ولم ينكر غالباً ذو الحال)، وهذا في الغالب، فلو قلت: جاء رجل راكباً، فهذا من غير الغالب.
والغالب في مثل هذا المثال أن تقول: جاء رجل راكب، فتجعله صفة لرجل، فالوصف بعد النكرة صفة يتبعها في الإعراب، ولا يكون حالاً منها، وقد روي أن الرسول عليه الصلاة والسلام: (صلى وراءه قوم قياماً) ما قال: قوم قيامٌ، ولكن هذا المثال وإن مثل به الشارح لا يصلح؛ لأن (قوم) وصفت بقوله: (وراءه) فصح مجيء الحال منها، لكن لو قلت: جاء قومٌ قياماً، فهذا هو المثال الصحيح.
إذاً: القاعدة في هذا البيت: الغالب أن يكون صاحب الحال معرفة، ولا يكون نكرة إلا في هذه المسائل: أولاً: إن لم يتأخر، فإذا تأخر جاز فيه النكرة، تقول: جاء راكباً رجلٌ، ولهذا قالوا: إن الجمل قبل النكرات أحوال وبعدها نعوت.
ومنه: جاء ماشياً ولد، جاءت راكبةً امرأةٌ، أسرع قاصداً جواد، وعلى هذا فقس.
ثانياً: (أو يخصص): فإذا خصص صاحب الحال وهو نكرة جاز مجيء الحال منه، تقول: جاءني رجل ثقيل راكباً.
والتخصيص سواء كان بالصفة كما مر، أو بالإضافة، مثل: اشتريت كتابَ طالبٍ ثالثاً.
ثالثاً: (أو يبن من بعد نفي أو مضاهيه).
يبن: يتبين ويظهر، (من بعد نفيٍ): تقول: ما في الدار رجلٌ جالساً.
ما: نافية.
في الدار: جار ومجرور في محل خبر مقدم.
رجل: مبتدأ مؤخر.
جالساً: حال من رجل، ورجل نكرة؛ لكن سوغ مجيء الحال منها أنها بعد نفي.
ومثاله أيضاً: ما أتاني رجل راكضاً، راكضاً: حال من رجل، ورجل نكرة.
وقول المؤلف: (أو مضاهيه)، الذي يضاهيه في النفي النهي، والاستفهام الإنكاري، فالنهي مثل له المؤلف بقوله: (لا يبغ امرؤٌ على امرئ مستهلاً).
امرؤٌ: فاعل.
على امرئ: جار ومجرور متعلق بالفعل (يبغي) في محل نصب مفعول به.
مستسهلاً: حال من فاعل يبغي (امرؤ) الأولى، وصح مجيء الحال منه وهو نكرة؛ لأنه في سياق النهي.
ومثاله في سياق الاستفهام الإنكاري: هل من أحدٍ في البيت قائماً؟ قائماً: حال من أحد، وجاءت منه حال مع أنه نكرة؛ لأنه في سياق الاستفهام الإنكاري.
حاصل هذه القاعدة: لا يكون صاحب الحال إلا معرفة إلا في ثلاثة مواضع، وهي: إذا كان متأخراً.
إذا وقع بعد نفي أو شبهه.
إذا خصص بإضافة أو وصف.