قال المصنف رحمه الله تعالى: [وجرد الفعل إذا ما أسندا لاثنين أو جمع كفاز الشهدا وقد يقال سعدا وسعدوا والفعل للظاهر بعد مسند] قوله: (جرد): فعل أمر.
إذا ما أسند: ما هذه زائدة؛ لأنها أتت بعد إذا، وقد قيل: يا طالباً خذ فائدة ما بعد إذا زائدة وزيادة (ما) أحد المحامل العشرة التي تأتي إليها (ما)، وقد جمعت في هذا البيت.
محاملها عشر إذا رمت عدها فحافظ على بيت سليم من الشعر استفهم شرط الوصل فاعجب لنكرها بكف ونفي زيد تعظيم مصدر فهذه عشرة محامل ذكرت في البيت ومنها: الزيادة، ومن ضوابط الزيادة: أن تأتي (ما) بعد (إذا).
فقوله: (إذا ما أسند) أي: إذا أسند.
(لاثنين) كقام الرجلان.
(أو جمع كفاز الشهداء) هذه هي اللغة المشهورة التي جاءت في القرآن: أن الفعل إذا أسند إلى اثنين أو جمع وجب تجريده من الضمير، أما إذا أسند إلى الواحد فلا يحتاج إلى ضمير، فتقول: قام الرجل.
إذاً: هذا هو المشهور من لغة العرب وبه نزل القرآن الكريم، فإن قال قائل: كيف تجيبون عن قول الله تعالى: {ثُمَّ عَمُوا وَصَمُّوا كَثِيرٌ مِنْهُمْ} [المائدة:71]؟ قلنا: لا نسلم أن قوله: (كثير) فاعل، بل هو بدل بعض من كل؛ لأن قوله: (ثم عموا وصموا) هذا للعموم، و (كثير منهم) أخرج البعض، فهو في الحقيقة بدل من الواو، ونحمله على ذلك وجوباً؛ لأن القرآن إنما نزل باللغة الفصحى، واللغة الفصحى لا يصح أن يتحمل الفعل فيها ضمير اثنين أو ضمير جمع.
قال المؤلف: (وقد يقال سعدا وسعدوا والفعل للظاهر بعد مسند قوله: (قد يقال) القائل هم العرب؛ لأنهم يحكمون ولا يحكم عليهم، أي: قد يقول بعض العرب: سعدا الرجلان، وسعدوا القوم.
(والفعل للظاهر بعد مسند) أي: بعد هذا يأتي مسنداً إلى الفاعل، فيقال: سعدا الرجلان، سعدوا المسلمون، والفصحى: سعد الرجلان، سعد المسلمون.
وقد أفادنا المؤلف رحمه الله بقوله: (وقد يقال): أنها لغة ضعيفة؛ لأن (قد) تفيد التقليل، وتسمى هذه اللغة: لغة (أكلوني البراغيث)، وهذا رجل تعب من البراغيث حيث جعلت تصعد على جسمه وتقرصه وتؤذيه فجعل يقول: أكلوني البراغيث، فهي لغة، وهذه اللغة تجعل الواو علامة جمع فقط ليس لها محل إعراب، فتقول عليها: أكلوني: فعل ماض، والواو علامة الجمع، والنون للوقاية، والياء مفعول به.
البراغيث: فاعل مرفوع بضمة ظاهرة على آخره.
واللغة الفصحى في التركيب أن تقول: أكلني البراغيث، وأكلك البراغيث، ولا تأتي بعلامة الجمع.
ولو أنني صححت ورقة إجابة طالب كتب: قالوا المسلمون كذا وكذا، وقالوا الكفار كذا وكذا، فهل أعتبر هذا خطأً أم صواباً؟ أعتبره خطأ، ولو احتج فقال: هذه لغة بعض العرب وأنا من هؤلاء البعض؟ أقول له: أنت من هؤلاء البعض فأنت معذور باجتهادك، لكني أنا من البعض الآخر فلابد أن أصحح على ما أعتقد، ولو أننا تتبعنا الرخص لكان كلما غلط واحد قال: هذه لغة، ولارتبك الناس، ففي (الله أكبر)، يقال: (الله وكبر) وفي (آمين) هذا لغة، فلا نقبل من كل واحد الآن أن يقول: إنه على اللغة الفلانية؛ لأنه هو مضيع للغة الآن، حتى اللغة الفلانية ما هو عليها، وإذا ضيعها نرجع إلى الأصل الأم لغة العرب الفصحى التي نزل بها القرآن.