قال المصنف رحمه الله تعالى: [وبعد فعل فاعل فإن ظهر فهو وإلا فضمير استتر] قوله: (وبعد فعل فاعل) بعد: خبر مقدم.
فاعل: مبتدأ مؤخر.
(فإن ظهر فهو) أي: فهو الفاعل، وقد تبين، (وإلا) أي: وإلا يظهر (فضمير استتر)، أي: فهو ضمير مستتر.
إذاً: كل فعل لابد له من فاعل، لكن لا يكون فاعلاً اصطلاحاً إلا إذا وقع بعد الفعل، فتقول: أقام زيدٌ، فزيد فاعل، أما: أزيد قائم، فليس زيد فاعلاً بل هو مبتدأ، وفي (قائم) ضمير مستتر يعود على زيد.
قوله: (وبعد فعل فاعل)، ويستفاد من هذه الجملة أيضاً أن الفاعل لا يتقدم على الفعل، فلا تقل: الزيدان قام، على أن (الزيدان) فاعل، و (قام) فعل مؤخر؛ لأنه لا يمكن أن يتقدم الفاعل، وتقول في: {إِذَا السَّمَاءُ انشَقَّتْ} [الانشقاق:1]: السماء: فاعل لفعل محذوف، ولا تجعلها فاعلاً لانشقت؛ لأن الفاعل لابد أن يكون بعد الفعل.
وقال الكوفيون: يجوز أن يتقدم الفاعل على الفعل، فتقول في: (زيدٌ قام): قام: فعل ماض لا محل له من الإعراب، وفاعله زيد المتقدم.
وهذا لا شك أسهل، وما ذهب إليه البصريون أقرب إلى القواعد.
لكن لو قال قائل: من حيث الترتيب أيهما أقدم الفعل أو الفاعل؟ نقول: الفاعل؛ لأن الفعل وصف يقوم به، أو فعل يفعله، فهو متقدم لكن لا عبرة بذلك.
قوله: (فإن ظهر فهو) إن ظهر: جملة شرطية.
فهو: الفاء رابطة للجواب، و (هو) مبتدأ والخبر محذوف، والتقدير فهو الفاعل.
(وإلا) أي: وإلا يظهر (فضمير استتر)، أي: فالفاعل ضمير استتر أي: اختفى.
مثال ذلك: الرجل قام، فهنا لا نجد أمامنا فاعلاً ظاهراً، فنقول: قام: فعل ماض، والفاعل مستتر جوازاً تقديره هو.
وقد تبين لي من قول المؤلف: (كمرفوعي أتى زيد منيراً وجهه نعم الفتى) أنه يشير إلى ما كان مرفوعاً بفعل وما كان مرفوعاً باسم، فهما كمرفوعي: أتى زيد منيراً وجهه، ونعم الفتى، هذا تكميل لما رفع بالفعل، أي: لما كان عامله فعلاً، إلا أنه يفرق بين قوله: (نعم الفتى) وبين قوله: (أتى زيدٌ)؛ بأن (نعم الفتى) فعلها جامد، و (أتى زيد) فعلها متصرف.
والمهم أن الفاعل هو الذي يقع بعد الفعل أو ما كان بمعناه مرفوعاً به.
وهل يمكن أن يكون الفاعل قبل الفعل؟
صلى الله عليه وسلم على كلام المؤلف لا يمكن؛ لأنه قال: (وبعد فعل فاعل)، وقيل: يجوز أن يتقدم الفاعل على الفعل، ويظهر أثر ذلك في المثال، فإذا قلنا بعدم الجواز قلنا: الرجلان قاما، وإذا قلنا: بالجواز قلنا: الرجلان قام، بدون ألف؛ لأنه على الأول يكون الرجلان: مبتدأ، وقاما: فعلاً وفاعلاً، والجملة خبر المبتدأ، وعلى الثاني يكون الرجلان فاعلاً مقدماً، وقام فعلاً مؤخراً.
وقد ذكرنا قاعدة سبقت نعتبرها أصولية عظيمة في باب النحو، ألا وهي: إذا اختلف النحويون في شيء أخذنا بالأسهل.
وقوله: (وإلا فضمير استتر) أي: وإلا يظهر فهو ضمير استتر وجوباً أو جوازاً، فإن كان تقديره: (أنا أو نحن أو أنت) فهو مستتر وجوباً، وإن كان تقديره: (هو أو هي) فهو مستتر جوازاً.
وقيل: إنه مستتر وجوباً مطلقاً؛ لأنك إذا قلت: قام هو، وأظهرت الضمير لم يكن هذا الضمير فاعلاً بل توكيد، لكن المشهور ما ذكرناه أنه ينقسم إلى مستتر وجوباً ومستتر جوازاً.