متى يجوز الإلغاء لعمل ظن وأخواتها

قال المصنف رحمه الله تعالى: [وجوز الإلغاء لا في الابتدا وانوِ ضمير الشأن أو لام ابتدا في موهمِ إلغاء ما تقدما والتزم التعليق قبل نفي ما] لما ذكر رحمه الله الأدوات التي يجوز فيها الإلغاء والتعليق، بين حكم الإلغاء وحكم التعليق، وما موضع الإلغاء وما موضع التعليق.

قوله: وجوز: فعل أمر.

الإلغاء: مفعول به.

لا: نافية.

في الابتداء: جار ومجرور متعلق بمحذوف تقديره: لا تجوزه في الابتداء، ويجوز أن يكون متعلقاً بيجوز.

يقول رحمه الله: إنه يجوز الإلغاء، وهو إبطال العمل لفظاً ومحلاً، لكن استثنى رحمه الله الابتداء فقال: (لا في الابتداء) أي: فلا تجوز الإلغاء، فإذا قال قائل: وهل هناك شيء غير الابتداء؟ قلنا: نعم، الأداة إما أن تكون في أول الجملة، أو في وسطها، أو في آخرها، فإذا وقعت الأداة في الابتداء فلا تجوز الإلغاء، مثل أن تقول: ظننت زيدٌ قائمٌ، فهذا ممنوع؛ لأن الأداة وقعت في الابتداء.

وإن وقعت في الوسط جاز الوجهان: الإلغاء والإعمال، فتقول: زيداً ظننتُ قائماً، وتقول: زيدٌ ظننت قائمٌ.

وإن وقعت الأداة في الأخير فكذلك يجوز الإلغاء، فتقول: زيدٌ قائمٌ ظننت، فصارت الأحوال ثلاثة: الحالة الأولى: أن تتقدم الأداة فيمتنع الإلغاء.

الحالة الثانية: أن تتوسط الأداة فيجوز الوجهان على السواء.

الحالة الثالثة: أن تتأخر الأداة فيجوز الوجهان والإلغاء أرجح؛ لضعفها بالتأخر.

وقال الكوفيون: يجوز الإلغاء وإن كانت الأداة سابقة، فإذا قلت: ظننت زيدٌ قائمٌ، فهو جائز عند الكوفيين، ولا مانع منه عندهم، وقد ورد هذا في كلام العرب، وما كان أسهل فهو أرجح.

وعلى هذا: فإذا قرأ أحد منكم الآن علي كتاباً وقال: وإن ظنّ المطرَ غزيراً فليحمد الله، فقال: وإن ظنّ المطرُ غزيرٌ فليحمد الله، فنقول: إذاً أنت كوفي، أما البصري فلا يجوز هذا، بل يقول: إذا كانت الأداة هي الأولى فلا يجوز الإلغاء.

وأما ما ورد من كلام العرب ما يدل على الإلغاء مع تقدم الأداة فقد قال البصريون: إنه يؤول، ولا بأس بالتحريف في هذا الموضع، من أجل أن نصحح القاعدة.

يقول ابن مالك: (وانو ضمير الشأن أو لام ابتدا في موهم إلغاء ما تقدما) (انو) بمعنى: قدر، والمعنى: إذا وجد من كلام العرب ما يقتضي إلغاءها مع التقدم فانو ضمير الشأن.

مثاله قول الشاعر: كذاك أدبت حتى صار من خلقي أني وجدت ملاك الشيمة الأدبُ والأصل أن تقول: أني وجدت ملاكَ الشيمة الأدبا، لكنه عربي يقول: أني وجدتُ ملاكُ الشيمةِ الأدبُ، قالوا: إذاً لا نستطيع أن نقول للعربي: أخطأت؛ لأن العرب في النحو في منزلة الدليل في الأحكام الشرعية، فإذا جاء كلام العرب مخالفاً لعقولنا وما أصلناه وجب أن نحرف ونؤول، فنقول: نقدر أحد أمرين: إما ضمير الشأن، وإما لام الابتداء.

فإذا قدرنا ضمير الشأن فإن الفعل عامل، فنقول: وجدت: فعل وفاعل، ومفعوله الأول ضمير الشأن محذوف، والتقدير: وجدته، أي: الحال والشأن.

ملاك: مبتدأ.

الأدب: خبر، والجملة من المبتدأ والخبر في محل نصب مفعول ثان.

وإذا نوينا لام الابتداء صارت الأداة عاملة في المحل دون اللفظ، فنقول: أني وجدت لملاكُ الشيمة الأدبُ: وجدت: فعل وفاعل تنصب مفعولين.

لملاك: اللام لام ابتداء.

وملاك: مبتدأ.

الأدب: خبر، واللام علقت عمل وجد، والجملة في محل نصب سدت مسد مفعولي وجد.

لكن أصحابنا ذوي اليسر والسهولة -وهم الكوفيون- قالوا: لا بأس أن تلغى ولو تقدمت، فيجوز أن تقول: ظننت زيدٌ قائمٌ، وظننت: فعل وفاعل، والمقصود من ذلك: نسبة الظن إلى مدلول الخبر فقط، ولا حاجة أن نسلطه على الجملة، وأنا أقول: ظننت: فعل وفاعل، وزيد: مبتدأ، وقائم: خبر المبتدأ، ولا حاجة لإضمار لام الابتداء ولا لإضمار ضمير الشأن.

وهذا أسهل وأيسر وليس ببعيد، كما لو سألك سائل فقال: أظننت زيداً قائماً؟ فقلت: ظننت، والمقصود: نسبة الظن إلى مدلول الخبر فقط.

وقولهم هو الراجح عندنا، والقاعدة عندنا: أن كل قول أسهل فهو أرجح، أما عن كونه هو الصواب أو غير الصواب فهذا أمر آخر، لكن هو أرجح؛ لأنه لا يحتاج إلى تقدير ولا إلى أي عمل.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015