المجرد من معنى الظن. وتحرّزوا بذلك مما يكون القولُ فيه غير مجرّدٍ من معنى الظن، فإنّه إذ ذاك يعمل كما يعملُ الظنُّ، فتكون فيه أَنّ مفتوحة على الوجوب، لوقوعها موقع المفرد. وهذا الذى قرّرُوه ليس بسالم عن النقد، لأنّ القول إذا أُشْرِب معنى الظن (لم) يعمل عَمَل الظنِّ مطلقا؛ إذ من العرب من يلزم الحكاية به وإن أشرب معنى الظن، حسبما يأتى في موضعه إن شاء الله؛ فلا يسوغ أن يُستثنى القولُ المشربُ معنى الظنِّ على الإطلاق، لاختلاف العرب فيه. فأما قول الناظم: «أو حُكِيتَ بالقول» فقد أزاح الإشكال؛ لأنّ قصد الحكية يضبط اختلاف اللغات إلى ضابطٍ لا مَحِيد عنه؛ فإنّ من أشربه معنى الظن فَأَعملَ إذا أراد الحكاية كسر إِنّ، كما أنّ من لم يعمل هو قاصدٌ أبدًا للحكاية فيكسرها، فلا يبقى على المسألة غبارٌ. والله أعلم.
والخامس: إذ حَلّت إنّ محلّ الحال ووقعت موقِعَه، وذلك قوله: «أو حَلّتْ مَحَلّ حالٍ يعنى أَنْ تقع مع ما بعدها جملةً في موضع الحال، نحو قوله: «زُرْته وإنّىِ ذُو أَمَلْ»، أى: زُرْتُه آملًا. فالمفتوحة لا تقعُ هنا، لأن الحال بالمفرد لا تصاحب الواو. ومنه في التنزيل: {كَما أَخْرَجَكَ ربُّكَ من بيتك بالحقَ، وإِنّ فَرِيقًا مِنَ المُؤْمنِين لكارهُونَ. يُجادلُونَك} .. الآية. وأنشد سيبويه لكُثَيّر:
ما أَعْطَيَانِى ولا سَألْتهما
إِلّا وَإِنِّى لحاجِزِى كَرَمِي