وتنصب الخبر خبرًا لها. وهذا مذهب أهل البصرة. وذهب الكوفيون إلى أنها إنما تعمل في المبتدأ خاصّةً الرفع، وأما نصب الخبر فعلى إسقاط الخافض. والأصحُّ ما ذَهَبَ إليه الناظم والبصريون، لأن الشبه الحاصل بين ما وليس إذا كان متَمكِّنا فلا مانع من إعطائه حقّه من الإعمال، كما أنّ كان وأخواتِها لما أشبهت الفعل المتعدّىّ أُعطِيت عمله كلّه بحقِّ ذلك الشبه. وكذلك اسم الفاعل لم يُنْتَقص من عَمَلِ فعله الذى أشبهه شيئًا، بل عَمَلَه تاما، إعمالًا للشبه الحاصل بينهما.
فإن قيل: فالقاعدة أن المشَبّه لا يقوى قوة ما شُبّه به، فلو أعطى العمَل تامًا لم يكن بين الأصل المشبّه به، والفرع المشبّه، فرقٌ. لكنهم يُفرِّقون بينهما، فيكون للأصل من القوة في العمل ما لا يكون للفرع، فأين ذلك هنا؟
فالجواب: أن تفاوت ما بينهما ظاهر؛ ألا ترى أن «ما» لا تعمل إلا بشروط ثلاثة، بخلاف ليس، فإنها تعمل دون شرط منها، فالأصل أقوى تصرّفًا من الفرع إذًا. وأيضًا لو كان عَمَلُ «ما» الرفع خاصة لم يتقرّر للشّبه تأثير، ولا كان عليه دليل؛ إذ ليست دعوى أن الشبه إنّما أَثّر في عمل الرفع خاصّة بأولى من دعوى أن «ما» لم تعمل البتة، أو عملت الرفع لا لأجل الشبه؛ إذ لا مناسبة في ذلك، وإذ ذاك يلزم خلاف الإجماع.
فإن قيل: الدليلُ على أن النّصب على إسقاط الجارّ أَنّ مِنْ شأنه أن يُوجِب النصبَ كالظروف والمجرورات، فإن أصل قولك: قعد زيدٌ أمامك: قعد في أمامِك. وتقول: مررتُ بزيد، فإن حذفت الجارّ نصبت. ومن ذلك كثير، فكذلك هذا. وأيضا مما يدل على ذلك هنا أَنّ النصب لا يكون إِلّا حيثُ يصحّ دخولُ