مبتدًأ، فكَانَ بمنزلة فعلٍ محذوفٍ لحضور ما يدلُّ عليه.
[وَمَثّل ذلك بقوله: (أَمّا أَنْتَ بَرّا فَاقْترِبْ) فالتقدير: لأَن كُنتَ بَرّا اقترب، أى: لأجل هذا المعنى الذي كان منك في الماضي أطلب منك القرب مني. فأَنْ على أصلها من المصدرية، وإذا وَلِى أَنْ الماضي فهو ماضٍ ليس إلا. وقد شَبّهها سيبويه بِإذ لاشتراكهما في المعنى. ودخلت الفاء في قوله: فاقْترِب، لأن الثاني مستَحقٌّ بالأول، فهو مسبب عنه، والأول سبب فيه، فأشبه الشرط والجزاء.
ومثل ذلك: أما أنت منطلقا انلطقتُ معك، وأما زيدٌ ذاهبًا ذهبتُ معه. وأنشد سيبويه لعباس بن مرداس:
أَبَا خُرَاشَةَ، أَمّا أَنْتَ ذَا نَفَرٍ
فَإنّ قَوْمِىَ لَمْ تَأْكُلْهُمُ الضّبُعُ
أى: لأجل أن كنت ذا نفر.
فالمعنى في الجميع على المعنى، وهو تفسير البصريين. وذهب الكوفيون إلى أَنّ أنْ هنا جزائية، بمعنى إِنْ، ولذلك دخلت الفاء، والمعنى: إن كنت منطلقا انطلقت معك، وعليه قراءة غير حمزة: {أَنْ تَضِلّ إِحْدَاهُما فَتُذَكِّرَ إِحْدَاهُمَا الأُخْرَى}. وقرأ حمزة: {إِنْ تَضِلّ إِحْدَاهُما