ووجهُ كثرةِ إضمار كان بعد هذين الحرفين أنهما من الأدواتِ الطالبة للفعل، لأنهما شرطان فلا بُدّ لهما من إضمار الفعل؛ ففي النصب كان الناقصة، وهو الذى تَكَلّم عليه الناظمُ، لأنه قال: «وَيُبْقُونَ الخَبَرْ»، وذاتُ الخبرِ هى الناقصةُ. وفي الرفع ما يصلح من كان التامّة أو غيرها، إذا قلت:
إِنْ صالحٌ فَصَالِحٌ، ولو باردٌ. وهذا لم يتكلم عليه.
وتحرز بقوله: «وَبَعْدَ إِنْ كَثيرًا ذَا اشْتَهَرْ»، مما جاء منها محذوفًا بعد غيرهما، فإنه لم يشتهر بل وقع نادرا، وذلك بعد لَدُنْ فيما أنشد سيبويه من قوله:
مِنْ لَدُ شَوْلًا فَإلى إِتْلائِها
نصب «شولًا» على إضمار كان، تقديره: من لَدُ كانت شولًا؛ فإن لدن تضاف إلى الجملة، ولا يجوز أن تضاف إلى مفرد ليس بزمان ولا مكان إذا اقترنت بها «إلى»، تقول: جلستُ من لدُ صلاةِ العصر إلى وقت المغرب، وذرعت من لدُ مقعدِك إلى الأسطوانة. والشولُ: جمع الناقة الشائلة، فلا زمان ثَمّ ولا مكان، فلا بدّ من تقديره، أو تقدير ما يعطى معناه؛ إذ لا يقال: من لد زيد إلى دخول الدار. والذى يصح تقديره بينهما كان. وقدره سيبويه: من لدُ أَنْ كانت شولًا. وهو تقديرٌ معنوىٌّ لا إعرابىٌّ؛ لأن شولًا يصير على ذلك