ذلك، وقياسهم على لم ولن غيرُ صحيح لما تقدم من الفرق. وأما الاحتجاج عليهم في «ما زال» وأخواتها فهذا الذى تقدّم. ويخصّ ابنَ كيسان شئٌ آخر، وذلك أنه سلّم أن «ما» لها صدر الكلام، إلا أنها دخلت على أفعالٍ معناها النفي، وهى: زال وأخواتها، والنفي إذا انتفى صار إيجابًا، وإذا كان كذلك صار «ما زال» بمنزلة كان في أنه إيجاب، فكما أن كان يجوزُ تقديمُ خبرها عليها، فكذلك ما في معناها؛ من حيث لم يبق للنفي حكمٌ في ما زال وأخواتها، وإنما يعتبر النفي إذا كان معناه ثابتها، وليس هنا بثابت؛ يدلّ على ذلك أنّ العربَ لا تُدْخلُ معها «إِلا» التى هى إيجاب بعد النفي، فنظيرها: كان زيد إلا قائما، وهذا غير جائز إذ لا نفي فيه، وكذلك مسألتنا؛ فإذا كانا في معنى واحدٍ فليكن حكمهما في جواز التقديم واحدًا.
والجواب عن ذلك أنا قد أجمعنا على أن ما للنفي في هذا الموضع، ولذلك صار الكلام إجابًا، وإلّا فلو لم تكن للنفي -وقد فرضنا أن زال وأخواتها نفي- لَمَا صار الكلام بها إيجابًا، وإذا كان معنى النفي ثابتًا فيها، وهى دالّة عليه، فقد استوت مع «ما» الداخلة على «كان» وما أشبهها. وإذا استوت في الموضعيين وهى في أحدهما مستحقة للصدر فيجب أن تكون كذلك في المسألة المتنازَعِ فيها. وإذا سلّمنا أَنّ معنى النفي غير معتبر فيها فذلك لا يمنع استحقاقها للصدر، اعتبارًا بالأصل، كما لم يمنع استحقاقُ الاستفهامِ للصدر زوال معناه إذا قلت: علمت أَيُّهم قائم، وعلمت أزيد في الدار أم عمرو. ولذلك لما قيل في قول سيبويه: «هذا بابُ علمِ ما الكَلِمُ من العربية»، إنه وضعها غير مشير بها، واعترض عليه بأن لو كان كذلك لأعرب اسم الإشارة، لزوال