«كَذَاكَ سَبْقُ خَبَرٍ ما النّافِيه»؟

والثاني: أن قوله: «فَجِئْ بِها مَتْلُوّةً لاَ تَالِيَهْ» تكرار لما تقدم، وفَضْلٌ غير محتاج إليه؛ لأن قوله: «كَذَاكَ سَبْقُ خَبَرٍ مَا النافِيَهْ»، معناه: لا يجوزُ أن تكون ما تاليةً، بل متلوّةٌ، أى يمتنع تقديمُ الخبر على ما. ومن عادة الناظم -رحمه الله تعالى- أن لا يأتى في هذا النظم بحشو ولا تكرار، كيف وهو من شُحِّه بالألفاظ فيه يلتزمُ في أكثره الشذوذات، حتى إنه ليكاد أن يكون حرف العطف عنده مجتنبًا، فكيف يأتى بما لا يَزِيدُ فائدة فيه؟

فالجواب عن السؤالين معًا: أنه حكى أَوّلًا في دام الإجماع على منع تقديم خبرها عليها، ثم أراد أن يحيل على حكم المنع ولا يكرّره فقال: كذاك كذا وكذا، وإيثارًا للاختصار، لكن لما عارضه فيه الإشكال الأول وهو إيهام الإجماع على المنع، وهو غير صحيح، عَيّن ما أحال عليه بقوله: فَجِئْ بِها مَتْلُوّةً لاَ تَالِيَهْ» تنبيها على أن الإجالة على ما تقدّم، ليست على منع التقديم خاصّةً، فَجِئْ بها مَتْلُوّةً لاَ تَالِيَهْ، كما فعلت ذلك في دام. فخرج بهذه الجملة التى بينت المراد تَوَهُّم الاشتراك في حكم الاجماع. وهذا كما تقول أعطى الأمير زيدًا جُبّةً وعمامة [وكذلك عمرو أعطاه عمامة، فلو سكت عن قولك «أعطاه عمامة لأوهمت أن الذى أعطى عمرًا جُبّة وعمامة] لقولك: وكذلك عمرو. فلما جئت بالبيان ظهر أَنّ الإشارة بـ «كذاك» إلى بعض ما تقدّم لا إلى جميعه. وهذا بيّن فخرجت المسألة عن الحكم عليها بالإجماع، وبقي حكمُه بما يرتضيه مذهبًا لنفسه. فعمّ بالمنع جميع ما تتقدّمُه ما النافية، مُنكّتًا على خلاف من خالف في شئ من تلك الجملة بقوله: «لا تاليه». فإنه كان يُجزِئُه أن يقول: «فَجِئْ بِها

طور بواسطة نورين ميديا © 2015