وقد تقدم. فقد اجتمع لك خمسة مواضع لا يجوز فيها حذف واحد من الجزأين وإن كان معلومًا، فكيف يقول: «وَحَذْفُ ما يُعْلَمُ جَائِزٌ» قولًا مطلقا؟ !
والجواب عن الإشكال الأول: أنّ المراد بالعلم العلمُ بالتعيين، وهو الذى عَينه المثال في قوله:
كما تَقُولُ: زَيدٌ، بَعْدَ: مَنْ عِنْدكما؟ ». فكأّنّ المثالَ قيدٌ يُعيِّن العلم، ما هو؟ وعلى أىّ وجه هو وأيضا فإن المعلومَ من وجهٍ دون وجهٍ يُطْلَق عليه أنه غير معلوم، وإذا صح فيه هذا الإطلاق اقتضى مفهوم الكلام أن لا يحذف، لأنه غير معلوم. فليس إدخاله في المعلوم بأولى من إدخاله في غير المعلوم، فلا يصحّ الاعتراض به.
والجواب عن الثاني من وجهين:
أحدهما: أن لفظ الجائز يطلق على ما استوى فعله وتركه -وعلى هذا المعنى حمله المعترض- ويطلق أيضا على ما لا يمتنع مطلقا، فيدخل فيه الجائز بالمعنى الأول، ويدخل فيه أيضا الواجب، وما كان من باب الأولى في الفعل أو في الترك، لأن الجميع غير ممتنع. ويطلق أيضا باعتبارات أخبر لا حاجة بنا إلى ذكرها. وقد ذكر ذلك أهل أصول الفقه.
فعلى الإطلاق الثاني قد دخل الواجب الحذف تحت لفظ الجائز، فكأنَّ الناظم قال: «وحذف ما يُعْلَم غيرُ ممتنعٍ على الجُملة». ولَو عبّر بهذه العبارة لصحّ كلامُه لِشُمولها الوجهين: الواجبَ الحذفِ والجائز الحذف والإثبات، ولا يبقى بعد ذلك إشكال.