وهذا أكثر من أن يُحصَى، فالحقّ جوازُ المسألة، وهو ما رآه الناظم ونقله، وقد نبّه على صحة القياس في عود الضمير على ما بعده هنا بقوله: «إذْ لا ضَرَرا»، أى: في جواز تقدّم الخبرِ على المبتدأ، وإن عاد فيه الضميرُ على ما بعده، وذلك أن أصل الضمير عوده على ما قبله وإن كان مفسّره لفظيًا، فَمَرْتَبَتُه ما اتصل به التقديم، نحو: زيد ضربته، وعمرو قائم أبوه، والزيدان قاما، وأكرمتُ زيدًا فأعطيته كذا. لكن قد يتأخّر صاحب الضمير عنه حيث تعيّن له مرتبة التقديم، نحو قولك: ضَرَب غلامه زيدٌ، فالهاء في «غلامه» عائدةٌ على زيد، وهو متأخر، ومع ذلك فهو جائز بإجماع من الفريقين البصريين والكوفيين. وإنما أجازوه لأن مرتبة زيدٍ، وهو الفاعل، مُقَدّمة على رتبة الغلام، وهو المفعول، فزيد متأخبرٌ في اللغظ متقدّم في الأصل، فاعتبر أصله فجازت المسألة كما لو كان في رتبته لفظًا فكذلك يجب أن حال المبتدأ مع خبره، لأن أصل المبتدأ التقديمُ؛ فإذا كان متأخرًا في اللفظ فهو متقدِّمٌ في الأصل، لأنّ رُتْبَتَه التقديم، فإذا كان له ما يُحْرِزُ رُتْبَته فلا ضَرَرَ في تأخيره عن ضميره -وإنما يكون الضررٌ فيما إذا كان الضمير عائدًا على ما بعده، ورتبة صاحبه التأخير فهنالك يلزم المحذورُ ويحصلُ الضّررُ القياسي، نحو: ضرب غلامهُ زيدًا، برفع الغلام ونصب زيد؛ فإن هذا غير سائغ في القياس ولا موجودٍ في السماع إلا شاذًا. وعلى أن المؤلف قد حكى الإجماع في جواز نحو: في داره زيد، وهذا الإجماع قد لا يثبت مع هذا الخلاف المذكور، نقله ابنُ الأنبارىّ في «الإنصاف» له -فالخلاف موجود، ودليل السماع بالجواز ناهض، وإنما الذي