إنّما ساغ الابتداءُ بالنكرة عندها لوجود الفائدة معها في الاخبار، ولا يمكن أنْ / يكون ما عدوا مقصورا عليه الابتداءُ بالنكرة، فالاشتغال بتعدادها دون التّبيه على أصْل ذلك عناءٌ لا فائدةَ فيه. ولذلك لمّا ذكر الناظمُ منها جُملةٌ على جهةِ التمثيل ختم بقوله: «وَلْتَقِسْ ما لم تُقَلْ». اتكالًا على تحصيل أصل المسألة. وإنما يذكر متقدمو النحويين في هذا كسيبويه والأخفش والمبرّد وابن السراج ما يكثُر وجودهُ مما يُسيغُ الابتداءَ فالنكرة لوقوع الفائدة بذكر ذلك، كالوصف والعموم، ولا يُوجَد لهم في ذلك حصرٌ. والدليل أنّ المعتبر عندهم في ذلك الجوازٍ والمنعٍ أنما هو حصول الفائدة وعدمها، أنه قد تَتّصِفُ النكرةُ ثم لا يكون في الاخبار عنها فائدة، فلا يجوز الإخبار عنها. نَصّ على ذلك سيبويه فقال في باب «كان»: «ألا ترى أنك لو قلت: كان إِنسانُ حليمًا، أو كان رجلٌ منطلقا، كنت تُلبِسُ، لأنه لا يُستنكرُ أن يكون إِنسانٌ هكذا». فهذا نصٌّ بأنّ المانع من ذلك فَقْدُ الفائدة في الخبر. وقال في بابٍ بعده، بعد ما ذكر «ما أحد مثلك»، لا، وأمثلة نحوه: «وإنما حسن الإخبار هنا النكرة لأن المخاطب قد يحتاج إلى أن تُعلِمه هذا». وتَمّمَ هذا المعنى ثم قال: «ولو قلت: كان رجلٌ في قوم عاقلا، لم يحسُن، لأنه لا يُستنكر أن يكون في الدنيا عاقل». فهذا نصٌّ أيضا بأن الصنعة إذا لم تكن مفيدة،