فإذًا ظروفُ الزّمان لا يُخْبَر بها عن الجثة البتّة اتفاقًا، وما ظُنّ بخلاف ذلك فليس منها في الحقيقة. وهو ما قضٌ لقوله: «وإنٍ يُفِدْ فَأَخُبِرا». فالإشكال هنا من وجهين، أحدهما مخالفة للنحويين أو متابعته لمن خالفهم، والقطع أن مخالفَ الإجماع مخطئٌ. والثاني: أنّ الإخبار بظرف الزّمان عن الجثة قد يفيد، وهو أمر لا يعقل.
والجواب عن الأول أن نقول: كيف يثبتُ الإجماعُ مع أن ما ذكر من المواضع الثمانية قد سَلّموا وجودَها في الكلام وقياسَ أكثرها؟ ومثل تلك المواضع هى المراد عند من أجاز ذلك، فإنما يثبتُ الإجماع على المنع فيما كان على خلاف تلك المواضع وأشباهها، وليس النزاع فيه، وإن سلم ذلك فإنما يكون إجماعًا معتبرًا إذا ثبت حصوله قبل خلاف ابن الطراوة، وهذا يصعُب إثباتُه، وإذا لم يثبت فالظاهر أن المسألة خلافيّة، وإذا كانت كذلك فلا عَتْبَ على ابن مالك في ارتكابه بعض المذاهب المنقولة في مسألة اجتهاديّة. ثم إنّ أبا علي الشلوبين قد نصّ على عَيْنِ ما ذكره ابن الطراوة في كتاب «الأسئلة والأجوبة»، فقال على أثر ما ذكر جملة من المواضع المذكورة: وجُمْلةُ هذا أن ما وقعت به الفائدة من الأخبار جاز، وما لم تقع به الفائدة لم يجز، وهو ما قال الناظم بعينه، ولو كان ابنُ الطراوة بذلك مخالف للنحويين لم يرتكبه، بل كان يردّ عليه على عادته في التزامه مناقضَته، أو كان يُبَيِّنِ مخالفته لهم إن كان ارتضى مذهبه وإن سُلِّم الإجماع فليس في مسألة يَنْبَى عليها حكم، بل هو في تأويل، ويجوز الخلاف فيه وإحداث قول آخر غير ما أُجمِع عليه على الصحيح عند أهل الأصول.