وإذا كان ظاهرًا لم يكن كذلك؟ وإلا فهذا قسم قد رجع إلى القسمين الأولين، فَعَدُّه قسمًا ثالثًا لا معنى له.
فالجواب: أنَّ هذا المقَّدر لم يظهر أصلًا في موضعٍ من المواضع، وإنما تقديرُه تقديرٌ صناعِيٌّ لضبط القوانين فقط، فلما كان كذلك جُعِل الظرفُ أو المجرورُ بنفسه خبرًا، لأنه هو الذي مَعَنا في اليد، وأما ذلك المقدّرُ فغيرُ مُلْتَفَتٍ إليه، ولذلك قالوا: إن الضمير العائد منه على المبتدأ ليس مقدرًا في كائنٍ ولا مستقرٍ، بل الظرف أو المجرور هو الذي تحمَّله بنفسه، ولذلك يقولون أيضًا -في قولك: مررت برجل في الدار أبوه-: إن «أبوه» ارتفَع بالمجرور ولا يقولون: ارتفَع بكائن ولا استقرّ. وعلى هذا المعنى نَبَّه الناظِمُ بقوله: «ناوين معنى كائِنٍ أو استقرّ»، ولم يقر: ناوين كائنا أو استقر، وذلك من وجهين:
أحدهما: أن المقصودّ إنما هو حصولُ المعنى فقط، فإذا قدرت «كائن»، أو «مستقرّ»، أو «ثابت»، أو «حاصل»، أو نحو ذلك -كان صحيحا مفهوما بنفسه غير محتاج إلى ما يُبَيِّنه، فالكون المطلق هو المقدر، ولذلك التُزِم حذفُه؛ ألا ترى أنه لو لم يكن كذلك لم يَجُزْ حذفُه حتى يعلم، فلا تقول: زيد في المسجد، وأنت تريد: عاكف في المسجد؛ لأنه هذا المعنى غيرُ مفهوم، فكونُهم لم يقتصرِوُا في التقدير على لفظٍ مُعَيَّنٍ دليلُ على أن حكم اللفظ ضعيف.
والثاني: أنَّ تقدير كائن أو مستقرّ ليس بتقدير لفظيّ حقيقة، وإنما هو