وما بتاءين ابتدى قد يقتصر ... فيه على تاكتبين العبر
يعني أن ما ابتدئ من الكلم بتاءين اثنتين قد يقتصر فيه على تاء واحدة وتحذف الأخرى فتقول في تتذكر: تذكر، وفي تتكرم: تكرم، ومنه تمثيله: تبين العبر، أي: تتبين العبر. والعبر: جمع عبرة، من الاعتبار والاستبصار، أصله من عبرت: إذا مررت بالطريق. والمعبر: المركب الذي يعبر فيه. والمعبر أيضا: ما يعبر عليه من قنطرة ونحوها. ومن ذلك قولهم: عابر سبيل. وإنما سميت العبرة عبرة لأنها يعبر عليها، أي: يجوزها النظر من ظاهر الأمر فيها إلى الباطن.
وإنما حذفوا إحدى التاءين (فرارا من كراهية التضعيف، إذ لم يمكن أن يلحقوا الفعل المضارع ألف الوصل- كما تقدم- ليدغموا إحدى التاءين) في الأخرى، وكانت الحركة أو المدة المنفصلة يبعد الاعتداد بها حتى يوصل إلى الإدغام، ففروا إلى الحذف حين أرادوا التخفيف. وفي القرآن الكريم من هذا كثيرا كقوله تعالى: {ولقد كنتم تمنون الموت}، {فإن تولوا فقد أبلغتكم ما أرسلت به إليكم}، {ما لكم لا تناصرون}، {ولا تنابزوا بالألقاب}، {ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم}. إلا أن الناظم لم يبين ما المحذوفة من التاءين، وذلك لأن المسألة مختلف فيها، فتركها في محل الاجتهاد، لم يعين وجها من الوجهين المذكورين. والنحويون اختلفوا في المحذوف على قولين.