والوجه الثاني من الإشكال: أنه أثبت في النقل قرن من القرار ولابد، لقوله: "وقرن في اقررن وقرن نقلا"، أي: (إن) قرن من اقررن منقول من كلام العرب. وهذا ليس كذلك، لأن قرن إنما نقل في القرآن، وهو- كما رأيت- محتمل أن يكون أصله: اقررن- كما قال- أو يكون افعلن من الوقار، وأحد الوجهين لم يتعين بعد، فكيف يجعل قرن من القرار منقولا ثابتا، وليس كذلك، لأنه إنما يثبت إذا لم يحتمل غير ما ادعيت فيه، فلا يصح لك أن تقول في هذا إنه من القرار خاصة لا من الوقار؛ إذ لا دليل على ذلك، وإذا لم يدل عليه دليل لم يكن إذا جعلته من القرار بأولى من أن تجعله من الوقار، ولا تثبت اللغة بمثل هذا، ولا اعتماد على الاحتمال المجرد من غير دليل.
والجواب عن الأول: أن اقررن لا يرجع إليهما معا بل إلى ما قبله وحده، وإنما أتى به احترازا- كما تقدم- من أن يكون من وقر يقر خاصة؛ إذا لو لم يكن هنالك ذلك الاحتمال لم يحتج إلى الإتيان به؛ إذ معلوم أنه يتكلم فيما حذفت عينه للتضعيف، فليس قوله: "في اقررن" إلا إخراجا للوجه الآخر. وأما قوله: "وقرن" فأطلقه علما بأنه من اقررن، إذ ليس فيه احتمال غير ذلك. وأيضا فحذفه لدلالة نظيره عليه، وتقدير الكلام: وقرن في اقررن وقرن في اقررن. وهذا ممكن، واتكل على أن ذلك مفهوم بأيسر النظر، فلم يحتج إلى التنصيص عليه.
والجواب عن الثاني: أنه يمكن أن يكون سمع من ذلك شيئا لا يحتمل إلا الحمل على اقررن لا على غيره، وإنا يكون الاحتمال قائما في الآية دون غيرها، فلعله اطلع على ما يتعين فيه أحد الوجهين، والجمهور لم ينقلوا قرن