فإن قلت: فالقياس يثبت ذلك.
فالجواب: أن كون العرب لم يتكلموا بذلك، مع اعتيادهم للتوكيد بالنون، دليل على اعتزامهم اطراح ذلك القياس، وإلا فلو كان معتبرا عندهم لنطقوا به ولو يومًا ما، فتركهم له رأسا دليل على اطراحه جملة.
وهذا من "باب الاستدلال بالأحكام" وهو باب معروف في الأصول، يجري مجرى الاستدلال بالسماع، وقد بينه ابن جني في "الخصائص".
وكان شيخنا القاضي- رحمه الله- يعتمده، ويحتج به.
ثم قال: "وكسرها ألف" هذا هو الحكم الثاني، يعني أن الحكم المعتاد لهده النون، والمألوف في كلام العرب، وهو الكسر، وذلك إذا وقعت بعد الألف، نحو: هل تضربانّ؟ واضربانّ.
وإنما كسرت، وكان الأصل فيها الفتح، لأنها هنا زائدة بعد ألف زائدة، فأشبهت نون الاثنين حين قلت: ضاربان، وغلامان. وأما في غير هذا الموضع: ففتحت لأنها حرفان، الأول منهما: ساكن، ففتحت، كما فتحت نون (أين) هذا تعليل سيبويه. ثم قال: "وألفًا زد قبلها مؤكدًا" إلى آخره.
يريد أن هذه النون المتقدمة، وهي الشديدة، إذا أكدت فعلًا لحقه ضمير جماعة الإناث، وهو النون، فهي التي تؤكده بها دون الخفيفة، فزد قبلها ألفًا إذا أدخلتها على ذلك الفعل.
فقوله: "مؤكدًا" حال من ضمير "زد" وهاء "قبلها" عائد إلى النون الشديدة المذكورة قبل، و"فعلا" مفعول بـ "مؤكد" أي زد قبل الشديدة ألفا حال كونك مؤكدًا فعلا أسند إليه نون الإناث.