فإن قيل: إن (وا) يعدها النحويون في قسم ما ينادى به البعيد، لكنه بعد حكمي، والناظم أخرجها عن كلا القسمين، فكان حقه أن يعدها مع أخواتها.
فالجواب: أن حقيقة (وا) في المندوب ليست على النداء بها، وإنما أتى بها أداًة لمد الصوت بذكر المندوب لا لينادى؛ إذ كان النداء تصويتك بمن تريد إقباله عليك لتخاطبه، وهذا المعنى في الميت مفقود، لكن لما كان للمندوب أحكام كأحكام المنادى، وأداة تشبه أداة النداء، أتى النحويون به في "باب النداء" لذلك.
فالوجه ما فعل الناظم من / فصله بين الأدوات تنبيهًا على فصل المعاني، فكأنه جعل الأدوات ثلاثة أقسام: للمنادى البعيد قسم، وللقريب قسم، ولمن لا يقصد بالنداء، ولكن يصوت بذكره تفجعًا وتوجعًا، قسم.
ثم إن (يا) لما كانت للنداء حقيقًة، ووقعت في الندبة، وكانت في بعض المواضع مما يقع بها اللبس بين المنادى والمندوب، فلا يدري المصوت به بـ (يا) هل هو منادًى أو مندوب - تحرز من ذلك، فأخرج (يا) من باب الندبة حيث يقع اللبس فقال: "وغير والدي اللبس اجتنب"
وغير (وا) هي (يا) إذ لم يذكر مع (وا): أيا، فيريد أنك تجتنب (يا) في الندبة إذا وقع بها اللبس، وتقتصر على (وا) فهي المختصة ببابها.
فإذا قلت: وامن حفر بئر زمزماه - فجائًز هنا أن تأتي بـ (يا) فتقول: يا من حفر بئر زمزماه، لأنه معلوم كونه مندوبًا، بما لحقه آخرًا