الغلط والنسيان كنا يتدارك بـ (بل) ولو كانت يتدارك بها لصح وقوعها بعد الإثبات والنفي.
وهذا رأي البصريين أنها لا تقع إلا بعد النفي، والنهي نوع من النفي.
وذهب الكوفيون إلى جواز العطف بها في الإثبات كالنفي. وحجة البصريين ما تقدم من كلام سيبويه، وأن العطف بها في الإثبات إنما يكون في الغلط والنسيان، لأنك تثبت بها للثاني ما أثبته للأول، فيعلم أن الأول مرجوع عنه. وهذا مستغني عنه بـ (بل) في الإثبات، وبقي حكمها في النفي على أصله.
والاستغناء كثير في كلام العرب، وقد بوب عليه ابن جني في "الخصائص". وأتى له بنظائر كثيرة، ونبه عليه سيبويه في مواضع كثيرة، وعده من الأصول الثابتة، وبني في التعليل على مقتضاه، فهذا من ذلك.
وشبهة الكوفيين القياس على (بل) فإنها يتدارك بها في الإثبات كما يتدارك بها في النفي باتفاق، فكذلك ينبغي في (لكن) لأنها بمعناها. وأجيب بأنه لا يلزم من الاشتراك في المعنى الاشتراك في الأحكام اللفظية. ألا ترى أنه يحسن دخول الواو على (لكن) ولا يحسن دخولها على (بل) فإن صاغ الاجتماع في الأحكام عند الاجتماع في المعنى فليصغ مثل هذا، وهو غير سائغ باتفاق. فلما لم يكن الأمر كذلك لم يلزم ما قلوه. وأيضًا فإذا