أحدها أنه قد قدم قول السيرافي أنه لا خلاف في (الواو) أنها لا توجب تقديم ما قدم من لفظه، وتأخير ما أمر لفظه، غير أن المؤلف في "التسهيل" "وشرحه" زعم أن جهة استعمالها أن يكون ما قبلها متحد الزمان مع ما بعدها راجحًا، ومتأخرات الزمان عما بعدها مرجوحًا، ومتقدم الزمان على ما بعدها متوسطًا بين الاستعمالين. هذا مع التجريد من القرائن، وهذا اختياره بعد القول بأنها لا تقتضي ترتيبًا، فلا تنافي بين كلامه هنا وفي "التسهيل" (وشرحه)، وهو المعتمد في معنى (الواو).
فإن ثبت خلاف في ذلك فالدليل على صحة مذهب الناظم من أوجه، أجلاها الاستقراء والنقل عن الأئمة، وقد تقدم من ذلك أشياء.
وأيضاً فإذا ثبت عن أئمة الأدباء اعتبار غير الزمان من التقدمات، كالتقدم بالشرف والرتبة وغيرهما، وأنه لابد منه في مراعاة البلاغة، فلو اعتبر الزمان وحده لم يتمكن اعتبار غيره معه إلا إذا كان تابعًا له، وعند ذلك لا يتعين اعتبار غير الزمان، لكن ذلك باطل بالاستقراء، فما أدى إليه كذلك.
فإن قيل: اعتبار غير الزمان مجاز وعلى خلاف الأصل، والكلام إنما هو في الأصل، والحقيقة قيل: دعوى المجاز خلاف الأصل، فلا ترتكب إلا لدليل.
وقد استدل على ذلك بأمور أخر، كقوله تعالى {وادخلوا الباب سجدًا وقولوا حطة}، وفي الآية الأخرى على عكس هذا الترتيب. فلو كانت (الواو) تقتضي الترتيب لتناقضت الآيتان.