أما النعت فجَعله مشبَّها به، والمشبَّه به لا يكون هو نفسَ المشبَّه، وبذلك ظهر أن عطف البيان من حقيقته أن يكون جامدا أو بمنزلته، لأن من حقيقة النعت أن يكون مشتقًا أو بمنزلته. وكلا الموضعين خاصٌ بموضعه، فلا يمكن أن يَشْرَك عطفُ البيان النعتَ في الاشتقاق، لأنه إن شاركه صار نعتا حقيقة.
وأما خروج العطف النَّسَقي فلبُعده عن شَبَه الصفة في كونه لا يُبَيَّن ولا يُوَضَّح، ولأنه قد جعله قسيما له في قوله: "إما ذُو بَيَانٍ أو نَسَق" وقسم الشيء لا يكون نفسَ الشىِء.
وأما خروج البدل فلأن البدل هو المقصود بالحكم على حسَب الاستقلال، ولذلك كان على تقدير تكرار العامل، بخلاف عطف البيان فإن متبوعه هو المقصود بالحكم، وإنما أتى بالعطف زيادةَ بيانٍ له. وبهذا المعنى أشبه النعت؛ إذ كان النعت غير مقصود لنفسه، وإنما جيء به للأوَّل، والأول هو المقصود بالحكم، فخرج البدل بذلك.
فإن قلت: هذا مشكل، فإن عطف البيان - حيث كان - يجوز فه البدل إلا في الموضعين المذكورين، وذلك يدل على أن المقصود فيهما واحد، ألا ترى أنك إذا قلت: قام زيدٌ أخوك، فـ (أخوك) يُعرب عطفَ بيان لأنه مبيَّن، ويُعرب بدلا، وهو مبيُن أيضا. فهل اختلف المعنى باختلاف الإعرابين؟ بل هذا الفَرْق الذي فَرَق به بينهما غيُر بَيَّن.
فالجواب أن الفرق صحيح، وإنما جاز الإعرابان على مقصدين.
فإن قصدتَ بالحكم الأولَ، وجعلت الثانىَ بيانًا له بحيث لا يُستغنى عن الأول فهو عطفُ البيان، وهو معنى شَبَهه بالنعت.