وأيضاً فالنكرة شائعة فى جنسها، والتوكيد يقتضى التخصيص، وهما كالمتنافيين فلا يجتمعان، ولهذا امتنع نعت النكرة بالمعرفة، والعكس، كما تقدم (?). هذا وجه القياس. وأما السماع فلم يأت منه ما يشفى غُلَّةً. ولهذا كله يشمل المنع ما أفاد وما لم يفد عند نحاه البصرة، فإن الفائدة عندهم ليست هي المانعة فقط، بل ثم عندهم أمر آخر زائد عليه، وهو الوضع العربى، فإذا كان الوضع لم يتبين استمراره لم يصح أن يعتمد على مجرد الفائدة فيه، كما لم يعتمدوا عليها فى نعت النكرة بالمعرفة، وبالعكس، فليعلم الناظر أن قول إمام الصنعة (?): "قف حيث وقفوا ثم فسِّرْ" أصل عظيم، لا يفهمه حق الفهم إلا من قتل كلام العرب علماً (?)، وأحاط بمقاصده.

وكثيراً ما تجد ابن مالك وغيره من التأخرين يعتمدون على أشياء لا يعتمد على مثلها المتقدمون الذين لابسوا العرب، وعرفوا مقاصدهم، اتكالا على قياس مجرد، أو على حصول الفائدة أو غير ذلك.

والصواب الاستناد إلى السماع، ثم النظر فى قياسه إن كان، لا العكس. وقد مر لهذا بيان فيما تقدم.

والمعنى الثانى من معنيى هذين البيتين، وهو غير المنصوص عليه، إن باب التوكيد المعنوى أصله للمعارف دون النكرات، نحو: جاءنى الأمير نفسه، والقوم كلُّهم، لأن المعنى الذي لأجله منع توكيد النكرة مفقود فى المعرفة، إذ كانت المعرفة قد ثبتت عينها، وظهرت حقيقتها.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015