وبهذا افترق هذا الوجه من الوجه الآخر الذي هو مجرَّد، فإن التلفظ هنالك بـ (مِنْ) سائغٌ ممكن، وليس كذلك هنا.
هذا مجمل ما ذكره الناظم من قاعدة هذا الموضع، أتيتُ به مقدِّمة لتفسيره، من غير تعرُّض لِسوى التَّوجيه، فَلْنُجرْهِ على لفظه مع زيادةِ ما يَحمله كلامه من الفوائد الزائدة.
فقوله: ((وَأَفْعَلَ التَّفْضِيل صِلْهُ أَبَدَا)) إلى آخره. هذا هو الضَّرب الأول، يعني أن ((أفعل التفضيل)) إذا كان مجردا من الألف واللام والإضافة فلابد من وصله بـ (مِنْ) الداخلة على المفضول، ظاهرةً أو مقدَّرة، لا يَنْفَكُّ عن ذلك. وقوله ((أَبَدَا)) تَنْكيتٌ وتَنْبيه على مسألة، وهي أن المجرَّد لا يأتي بمعنى اسم الفاعل مجرداً من معنى (مِنْ) جملةً قياسا أصلا، خلافاً للمبرّد القائل بأنه جائز قياسا، فيجوز عنده أن تقول: (زيدٌ أفضلُ) غير مقصود به التفضيل على شِيء، بل بمعنى: فاضل. وزعم أن معنى قولهم في (الأَذَان) وغيره: (اللَّهُ أَكْبَرُ) الكبيرُ (?)، لأن المفاضلة تقتضي المشاركة في المعنى الواقع فيه التفضيل، والمفاضلة في الكبرياء ههنا تقتضي المشاركة إن قُدِّر فيه: مِنْ كُلَّ شيء، ومشاركةُ المخلوق للخالق في ذلك أو في غيره من أوصاف الربَّ تعالى محال، بل كلُّ كبيرٍ بالإضافة إلى كبريائه لا نسبة له، بل هو كَلَ شِيءَ، وكذلك قال في قوله: {وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيهِ} (?) - تقديره معنىً: وهو هَيِّنُ عليه (?)، لأن جميع المقدورات متساوية بالنسبة إلى قدرة الله، فلا يصح في مقدورٍ مفاضلةُ الهَوْن