والخامس أن الفعل الثلاثي في هذه الأشياء المتعجَّب منها إذا كان كثير الاستعمال في كلام العرب فظاهرٌ أن بِنَاء (أَفْعَلَ وأَفْعِلْ) منه هو القياس المستقيم، وإذا كان معدوماً البَتَّةَ فلابد من الانتقال إلى (أَشَدَّ) ونحوه.
وأمَّا إذا كان نادراً في الاستعمال فمقتَضَى إطلاقه فيما تقدَّم أنه لا يُفتقر فيه إلى (أَشَدَّ) ونحوه إذا/ وُجدت الشروط الأُخَر، لأنه قال قبلُ: ((وصُغْهُمَا مِنْ ذِي ثَلاُثٍ)) فأَطْلق، ... 533 فَدخل له ما كان كثيرا في الاستعمال، وما نَدَر فيه. وإذا كان كذلك لم يُفْتَقر فيه إلى (أَشَدَّ) ونحوه مما يَخْلُفه، إذ لم يَعْدِم على هذا التنزيل شرطا.
وفي هذا نظر، وذلك أن نُدُور الاستعمال حاكمٌ بأن هذا الفعل لا يقع على الألسنة إلا نادرا، بحيث لا يعتبره العربيُّ في بناء فِعْل التعجُّب منه، وإن اتَّفق كثرةُ استعماله عند بعض العرب لم يَتَّفِق عند الباقين، وبذلك يُعد نادرا؛ إذ لو تداولت العرب استعماله لَسُمِع كثيرا، ولو سُمع كثيرا لم يكن نادراً عندهم، أعني عند النَاقِلين عن العرب، فَعَدُّهم إياه نادرا دليلٌ على أنهم فهموا ذلك من العرب، وعند ذلك لا يصح الحُكْم بعدم الافتقار في هذا الموضع إلى (أَشَدَّ) ونحوه، بل نقول: لابد منه كما لابد منه في غيره، لأن العرب لم تَعْهَد هذا النادر أن تَلتفت إليه فتَبْني منه، فإذا وُجد فعلُ تعجُّب لم يكن فعلُه المبنيُّ هو منه كثيرَ الاستعمال فهو شاذ لا يُقاس عليه، إلا إن ثَبت استعمالُه لبعض العرب، فحينئذٍ يُقاس بالنسبة إليهم، لا بالنسبة إلى من لا يَستعمله.
ولذلك عَدَّ المتقدمِّون من شاذ التعجُّب قولهَم: (ما أَفْقَرَهُ) لأنه عندهم