والثالث أن أسماء المصادر قد تقوم هنا مقام المصادر (?)] فلا تتعين المصادر أنفسها في هذا العمل، بل مَثل: ما أَشَدَّ كلامَ زيدٍ، وما أكثر عطاءَهُ، وما اَبْلَغَ سَلاَمَهُ، وما أشبه ذلك. فإذا لم تَتعَيَّن المصادر فقوله: ((ومَصْدَرُ العَادِمِ بَعْدُ يَنْتَصِبْ)) إلى آخره ليس بلازم. وقد أَتَى بما يَقتضي اللزومَ، ففيه ما تَرى.
والرابع أن قوله: ((وأَشْدِدِاوْ أَشَدَّ أو شِبْهُهُمَا: يخْلفُ كذا)) يَقتضي أن هذه الألفاظ تخلُف في البناء للتعجُّب ما لم يَتَأَتَّ منه البناء له في أداء معناه، حتى يكون قولك مثل: (ما أَشَدَّ حُمْرةَ زيدٍ) على معنى: ما أَحْمَر زيداً، لو قِيل. هذا معنى كَوْنِه يَخْلُفه، إذ لا يخلفُ الشِيءُ غيرهَ إلا فيما كان لذلك الغَيْر من أمرٍ لفظيٍّ أو معنوي، ولا يقال في الأمَريْن المختلفَيْن بإطلاق: إن هذا يَخْلفُ هذا، وإذ كان كذلك كان قوله: ((يَخْلُفُ كذا)) غيرَ صحيح. ألا ترى أنهم يقولون: إن المانع من التعجُّب من الألوان كونُها لاحقةً بالخِلَق الثَّابتة، كاليَدِ والرِّجْل. وقد مَرَّ تعليل ذلك بأن الألوان لا تَقبل الفَضْل، فإذاً معنى (ما أَحْمَرهُ) غيرُ معنى (ما أَشَدَّ حُمْرتَه) إذ لو كان هو معناه لاقتَضى في القياس أن يُتَعجَّب منه.
وكذلك الخِلَق والأَدْوَاء، وهو أَبْيَنُ فيها إذْ وُجِد لها الفعلُ الثلاثي، ومع ذلك فإنهم لم يَبْنوا منها للتعجُّب اعتباراً بأنها لا تَقْبل الفَضْل.
وهكذا كلُّ فِعْل لا يَقْبل الفَضْلَ لا يَخْلُفه (أَشَدُّ) ونحوه في معناه، إذ لو خَلَفه في معناه لم يُتَعجَّب منه، فهذا ايضاً من كلامه لا يصح.