ففي الشرط الثاني الخلافُ في موضعين؛ أحدهما ما كان من المَزيد فيه ليس له ثلاثي، ولكنه عُومل معاملَة الثلاثي المجرَّد، نحو: افْتَقَر، وتَمَكَّنَ، واسْتَغْنِى، وامْتَلأَ، واشْتَدَّ، واتَّقَى، وما أشبه ذلك.
فهذه الأمثلة وأشباهُها جاريةٌ/ مَجرى الثلاثي لا مَجرى الزائد، لقولهم في الصِّفة: فَقِيرٌ، وغَنِيٌّ، وشَدِيدٌ، وتَقِيٌّ، وقد قالت العرب فيها: ومَا أَفْقَرَهُ، ومَا أَمْكَنَهُ، وما أَغْنَاهُ، ومَا أَمْلأَهُ، وما أَشَدَّهُ، وما أَتْقَاهُ.
ففي جَريَان هذا الباب مَجرى الثلاثي المجرَّد فيصحُّ أن يُبْنى منه، أو مَجرى الزائدِ فلا يُبْنى منه، إلاَّ أن يُسْمَع فيوُقَف على مَحَلِّه- قولان الأولُ لابن السَّرَّاج وطائفةٍ (?)، والثاني لابن خَروف وجماعةٍ (?).
وهذا الثاني أصحُّ، لأن العِلَّة التي من أجلها امتنع بناؤه من المزيد غيرِ الجاريِ مَجرى المجرَّد موجودةٌ هنا، وهو هَدْمُ البِنْية وحذفُ زوائدها لغير مُوجِب، مع وجود الغَنَاء عن ذلك بـ (ما أَشَدَّ) ونحوه.
فإن قيل: إتيانُهم بـ (فَعِيل) في اسم فاعله مع أنهم لم يَنْطقوا بفِعْلٍ منه دليلٌ على أنهم لم يَعتبروا الزائد، بل عَدُّوه كالعَدَم، إذ ليست الزيادة بدالَّةٍ على معنى، فصار الثلاثي المجرَّد مرادفاً (?) لها، فكما أَجْرَوا الصِّفة عليه باعتبار خُلُوِّه من الزيادة فكذلك يجب هنا- قيل: هذا التعليل لاَ ينْهض أن يَجرى القياسُ بسببه، وإنَّما يَصلح أن يكون تعليلاً للسَّماع، إذ لم يكثر في السَّماع كَثْرةً يُعَتبر مثلُها في القياس، وإنَّما جاز ذلك نادراً فلا يُعتد به.