من: تَجَاوَرُوا، وتَعَاوَنُوا.
فلو لم تكن الأَبْنِية في معنى غيرها لاعْتَلَّت كما اعْتَلَّ (قَامَ، وتَابَ، وهَابَ، وبَاعَ) فكنتَ تقول في (حَوِلَ): حَالَ، وفي (عَوِرَ): عَارَ. وكذلك في سائرها، فدَلَّ على ما ذُكر. وهذه العلة عَلَّل بها الجمهور.
والثانيةُ للخليل ومَن قال بقوله، أن هذه المعاني من الألوان والعيوب الظَّاهرة جَرَتْ مَجرى الخِلَق الثابتة التي لا تزيد ولا تنقص، التي لا أفعالَ لها، كالَيدِ والرِّجل وسائر الأعضاء التي لا تزيد ولا تنقص، فكما لا / يُتعَّجب من الأعضاء لثبوتها وعدم تغيُّرها وفَقْد استعمال أفعالها، ... 522 كذلك هذه التي أشبهتْها، وجَرَتْ مجراها وإن كان لها أفعالٌ مستعملة.
قال في الكتاب: زَعم الخليلُ-رحمه الله- أنه مَنعهم من أن يقولوا في هذا: ما أَفْعَلَهُ، لأن صار عندهم بمنزلة (اليَدِ، والرِّجْلِ) وما ليس فيه فشعْلٌ من هذا النَّحْو. ألا ترى أنك لا تقول: ما أَيْدَاهُ، ولا مَا أَرْجَلَهُ، إنما تقول: ما أَشَدَّ يَدَهُ، وما أَشَدَّ رِجْلَهُ، ونحو ذلك (?).
قال، ولا تكون هذه الأشياء في (مفْعال ولا فَعُول) كما تقول: رَجلٌ ضَرُوبٌ، ورجلٌ مِحْسَانٌ، لأن هذا في معنى، ما أَحْسَنَهُ، إنَّما تريد أن تُبالِغ، ولا تريد أن تجعله بمنزلة كُلِّ مَن وقع عله: قاتِلٌ وحَسَنٌ (?).
يعني أن هذه المعاني لا يصحُّ فيها المبالغة، لأنها في نَفْسها لا تزيد ولا تنقص، فلا يعبَّر عنها بـ (مَا أَفْعَلَهُ) ولا (فَعُول) ولا (مِفْعَال) ولا غير ذلك مما يَقْتضي المبالغة. وهذا حَسَنٌ من التعليل.