ولا يُقال: إن ذلك لا دليلَ فيه/ فإنَّك قد تقول: لَيْتَنِي، وعَلَيْكَنِي، ورُوَيْدَنِي، فتُدخل 512 النون على الحرف وعلى الاسم (?)، وهي نون الوقاية، فليست بمختصَّة بالفعل، فلا دليلَ فيها على فِعِلِيَّة ما دَخلت عليه.
وكذلك لا دليلَ على فِعْليَّة (أَفْعَلَ) [بِفعلية (أَفِعْلْ)] (?) لتباينهما في أحكام، وإن اتَّفقا في أحكامٍ أُخَر، وإلاَّ لَزم أن يُقال بفعليَّة (أَفْعَلِ التَّفْضيل) وذلك فاسد؛ لأنا نقول: دخولُ نون الوقاية على الأسماء والحروف غيرُ مطَّرِد فيها، وإنَّما ألحِقت سماعاً في بعضها بحيث لا يُقاس عليها غيرُها، بخلاف (أَفْعَلَ) فإن نون الوقاية مطَّرِدة الدخولِ على (أَفْعَلَ) في التعجُّب، لا يَخْتَصُّ بواحدة من الموادِّ دون أخرى، نحو: ما أكَرْمَني، وما أَحْسَنَنِي، وما أَقْبَحَنِي، وما أَبْخَلَنِي، وما أَشْجَعَنِي. وما كان نحو ذلك.
وأما القياس على ألإَفْعِلْ) فظاهرٌ، لموافقته له في البِنَاء ومعنى التعجُّب وعدم المعارِض، بخلاف (أَفْعَلِ التَّفضيل) فإن إعرابَه وجَرَّه ودخولَ الألف واللامِ عليه وغيرَها من خَواصِّ الاسم عارضت دَعْوَى الفِعْلية فلم يُقَل بها.
ومما استُدِلَّ به على الفِعْليَّة فَتْحُ آخِر (أَفْعَلَ) على مُشَاكلة الماضي، ونصبُ ما بعده على ترتيب عمل الفاعل الماضي.
وقد أُجيب عن ذلك بأن بناءه على الفتح لتضُّمنه معنى التعجُّب، وأنه إنَّما نَصب ما بعده، وكان أصله الجرَّ بالإضافة، فَرْقاً بين الاستفهام المحض والتعجُّب الذي صار إليه.