والجواب بأمرين:

أحدهما أن تقدير المصدر بـ (أنْ) هذه قليل، لا يكثر كثرةَ (أنْ، وما) والغالب أن تؤتى بعد أفعال ((العِلْم)) بـ (أنْ) المخفَّفة والفعل، أو بـ (أنْ) الداخلة على الجملة الابتدائية، فقولهم: علمتُ أنَّك تقومُ، وعلمتُ أنْ سوف تقومُ، أو ألاَّ تقومُ-أشهرُ في الاستعمال من قولهم: علمتُ قيامَك، ونحوه- وإذا كان كذلك لم يَنْهض بالقليل اعتراضٌ.

والثاني أن التقدير بـ (ما) سائغ هنالك، فتقدَّر: علمتُ ما قمتَ، كما تقول: علمتُ ما صنعتَ، وعلمتُ صُنْعَك، فقد يمكن أن يكون استَغْنى عن تقدير (أنْ) المخفَّفة بتقدير (ما) وإذا صح التقدير بـ (ما) كام ما عداه زيادة.

فإن قلت: فكان من حَقِّه إذ قَصد الإتيان بما يُحتاج إليه من الحروف المصدرية من غير زيادة أن يأتي بأحد الحرفين دون الآخر.

فالجواب أن إتيانه بهما معاً ضروري/ لأن زمان الفعل الذي يُقَدِّر المصدرية قد يكون ... 432 ماضياً وحالاً ومستقبلاً.

أما الماضي فيصحُّ تقديرهُ بـ (أنْ) وبـ (ما) مع الفعل. وأما الحال فلا يقدَّر بـ (أنْ) بل بـ (ما)؛ لأن (أنْ) لا تُخَلِّص المضارع للاستقبال.

وأما المستقبل فلا يقدَّر بـ (ما) بل بـ (أنْ)؛ لأن (ما) مختصة بالحال، إذا دخلت على المضارع خَلَّصته له، فإذاً لابد من تقدير الفعل بما يَليق بزمانه، ولا يكون ذلك في الأزمنة الثلاثة إلا مع عَدِّ (أنْ) و (ما) معاً. بخلاف المخفَّفة من الثقيلة، فإن التقدير بها غير مضطرا إليه. وهذا أيضا من مقاصد هذا النظم الحِسَانِ التي قَلَّمَا يُتفَطَّن لها. والله أعلم.

والرابع أنه قيَّد عمل المصدر بصحة حلول الحرف مع الفعل محلَّه،

طور بواسطة نورين ميديا © 2015