وذلك أن المضاف الثاني مضافٌ إلى ما يليه، فجاز حذفُه وإقامته مقامه، وأما الأول فإن الثاني لما ناب عنه غيرُه وقام مقامه حتى كأنه هو صار الأول مضافاً في التحصيل إلى ما يليه، وهو النائب عن الثاني، وكأنه في التقدير مضافٌ إلى الثاني، لأنه أُضيف إلى ما قام مقام الثاني، فكأن الثاني ثابتٌ من حيث النائب، فَصَدَق بهذا الاعتبار أن الأول مضاف إلى الثاني الذي يليه، وأن الثاني هو الذي قام مقامه. وأيضاً فيترشَّح ها بطريقة التدريج، وهي طريقةٌ صناعية، ارتضاها الأئمةُ، وذلك أنّ قولهم: تبسَّمَتْ وميضَ البرق، كان أصلهُ: تبسمَتْ مثل تبسُّم وميضَ البرق، وصار التبسّم خلفاً في الإعراب من مثْل، ثُم حذف التبسُّم من حيث كونه مضافاً لا من حيث كونُه نائباً وخلفاً وأقيم مقامه وميض، فصار: تَبسمت وميض البرق. وهو أحسنُ في الصنعةِ من حذف المضافين في التقدير عَبطةً حسب ما قرره ابن جني في الخصائصِ في نحو قوله تعالى: {واتقوا يوماً لا تجزي نفسٌ عن نفسٍ شيئاً (?)}، والأصل فيه: لا تجزي فيه، ثم قَدَّر حذف الجارَّ فصار: لا تَجْزِيه، ثم حذف الضمير، وَجَعَله أحسنَ من حذف الجار والمجرور معاً ابتداءً، وهو رأي الأخفش (?) فيها، خلافُ ظاهر سيبويه (?). وإذا كان كذلك ساغ دخول حذف المضافين تحت كلام الناظم بمقتضى هذه الصفة؛ إذ ليس فيها ما يدفعها.

وعلى أنّا إن قلنا بموجب الاعتراضِ فلا يضرّ، فالغالب في الباب حذف الواحد، وأما حذفُ أكثر من واحدٍ فقليل، ولا تكاد تجدُه إلا في مضافين خاصّة؛ إذْ لا أعلم في السماع حّذْفَ ثلاثة مضافات على التوالي، ولا أكثر من

طور بواسطة نورين ميديا © 2015