والثالثُ: أن قوله: ((وما يلي المضافَ يأتي خلفاً عنه))، يقتضي أنه لا يُحذفُ إلا مضاف واحد، لأن ما يلي المضافُ قد جعله هو الخلف عن المحذوف، وإذا كان خلفا عنه لم يجز حذفه، لأنه جمعٌ بين حذفُ العوِض والمعوض عنه، وايضاً فحذفه نقضُ الغرضِ، لأن معنى كونه خَلَفَاً عنه أنه قائم في اللفظ مقامه، فحذفه يناقِضُ هذا المعنى، لكن هذا غير صحيح، لأنّ حذف المضافين المتوالييين جائزٌ كما تقدم ذكره، فكان كلامهُ هنا غير محرَّرٍ. وأيضاً فإن المضاف الثاني مضافٌ إليه الأولُ، فلا يدخل تحت قوله: ((وما يلي المضافَ يأتي خلفاً)).
والرابع: أن قوله ((يأتي خلفاً عنه في الإعراب)) يُعِطي بظاهره أنه إنما يَخلُفُه في وجوهِ الإعرابِ خاصَّةً؛ إِذ لو أراد غير الإعراب معه لم يُقيِّده به، فكان يقول: ((يأتي خَلَفَاً عنه))، ويسكت، فيدخلُ الإعراب وغيره. فلما لم يقل ذلك وَقَيَّد بالإعراب دلّ على اختصاص النيابة فقط، وليس كذلك، بل ينوبُ عنه في غير ذلك، فقد يقُع موقعه في التنكير فيكون نعتاً للنكرة وينتصب حالاً من المعرفة وإن كان معرفةً، لأنه ناب عن نكرة فيقول: مررتُ برجُلٍ زهيرٍ شعراً، وعنترة إقداماً، وحاتمٍ جوداً، فتصف به النكرة لأنه في تقدير: مررتُ برجلٍ مثل فلان، ولو نطقت (?) بمثل لجرى على النكرة فكذلك إذا حُذف وناب عنه المعرفة. وكذلك تقول: مررت بزيد زهيراً شعراً، وحاتما جوداً، ونحو ذلك. وكذلك يقع موقعه في غير ذلك. بل لقائل أن يقول: إن قوله ((في الإعراب))، إنما يقتضي النيابة عنه في مجرّد الرفع والنصب والجر، لا في مقتضى العامل من فاعلية أو مفعولية أو إضافة أو غير ذلك، وليس الأمر على ذلك. بل ينوب