يُقَال: من لدن زيدٍ إلى دخوله الدارَ، والبيت على هذا المعنى، فلما لم يصحّ جرّه على هذا التقدير أُضمرِ ما يَصِحُّ معه الكلامُ، فصار المعنى: من لَدُنْ كونها شولاً إلى إتلائها. بخلاف: لَدُنْ غدوةً، فإنه لا مانع من الجرّ، فلما نصبت دلّ على أن ذلك من جهة ((لَدُن)) لا من جهة الإضمار.
فإن قيل: ما فائدةُ قولِ الناظم: ((فَجُرّ)) ومعلوم أن الإضافة لا يكون معها إلا الجرّ، فهو إذاً حشوٌ من غير مزيد فائدة.
فالجواب: أنه إنما ذكر الجرّ لِذِكْرِ مُقَابِلِه وهو النصب.
وهنا مسألتان:
إحداهما: أنه أتى بلَدُن تامّةً غير محذوفة النون، ثم أسند الحكم إليها، فلابَّد أن يؤخذ له مقيّدا بتمامها، وينبني على ذلك أمران، أحدها: أنها لا تنصبُ إلاّ على لغة التمام، وأما إذا حُذِفت نونُها فلا. والنقلُ موافقٌ لهذا التقييد، فلم يُسمَع منهم مثل: لَدُ غدوةً، وانما تكلّموا به مع النون. والثاني: الإشعارُ بوجه النصب، وذلك أن من نَصَب شبَّه نون لَدُنْ بنون عشرين، حين كان بعض العرب يقول: لَدُ، من غير نونٍ، فانتصب غُدوةً انتصاب الاسم بعد المقادير، كقولك: عشرون درهماً. هذا معنى تعليل سيبويه، فيكون على هذا غدوة منصوباً على التمييز لإبهام لدن (?)، كما استبهم/ العشرون فَفُسرِّ، وهذا حسنٌ من التنبيه. ... 387
والثانية: أَنه أسند النصب إِلى لَدُن، لقوله: ((بِهِ عنهُم نَدَرْ))، أَي: بلدن، وأراد أنه منصوبٌ عن تمامه، كما انتصب الدِّرهم عن تمام العشرين بالنون.