إذ لا توجد إلا بمعنى (من) التبعيضية، فلم يضطر إلى الاحتراز من غيرها. وليس هذا الاعتذار بجيٍد؛ لأنه لم يتكلم في المسموع، وإنما تكلم في القياس؛ ولذلك قال: (بها انطق) أمرًا لمن أراد أن يتكلم بها كذلك قياسًا، فالظاهر أن كلامه غير مخلص.

وهنا مسألة وهو أنه إذا ثبت وقوع الباء بمعنى (من) التبعيضية، وأنها مرادفتها ثبت أن الباء تقع للتبعيض عند الناظم، فيقرب مذهب الشافعية في دعوى أن الباء في قوله تعالى: {وامسحوا برءوسكم وأرجلكم إلى الكعبين} للتبعيض، كما لو قال: وامسحوا من رءوسكم، كما أن قوله: {عينًا يشرب بها عباد الله} بمعنى: يشرب منها.

فإن قلت: من أين يتعين في الآية أن الباء هي التي بمعنى (من)، ولعلها بمعنى آخر كالإلصاق أو الاستعانة، ونحوهما، أو زائدة؟

قيل: هي عندهم متعينة إذا دخلت على مفعول يتعدى إليه الفعل بنفسه، فإنك تقول: مسحت رأسي، ومسحت برأسي، فإذا لم تدخل اقتضى مسح جميعه، وإذا دخلت اقتضى مسح البعض.

قال الرازي: نحن نعلم بالضرورة الفرق بين أن تقول: مسحت يدي بالمنديل والحائط، وبين أن تقول: مسحت المنديل والحائط، في أن الأول يفيد التبعيض، والثاني يفيد الشمول، وقد اعترض على هذا بأمرين:

طور بواسطة نورين ميديا © 2015