بالقلم، فيعقل منه أن القلم آلة لا علة؛ إذ لا يتوهم أن كتبك وقع بسبب القلم، وكذلك تفهم من قوله تعالى: {الذي علم بالقلم}. أن/ القلم آلة التعليم، ولا يفهم أنه سبب التعليم. وهذا ظاهر.
والثالث: أنا إن سلمنا أن ما وقع من ذلك في كلام الله تعالى يجب حمله على أن الباء معناها السبب، فلا يجب ذلك في كلام العباد، بل نقول: إن قولك: كتبت بالقلم، وضربت بالسوط، وسائر ما تدخل الباء فيه على الآلات في كلام العباد تحمل الباء فيه على ظاهرها من الاستعانة؛ لظهور ذلك المعنى فيها.
ويحصل بهذه الطريقة الجمع بين كلامه هنا وتحرزه في الشرح، ويؤيد ذلك أن ما ذكره من الأمثلة في القرآن يظهر فيه معنى التعليل لصحة تقدير الباء بقولك (بسبب) أو (لأجل)، فتقول: فأخرجنا بسببه من كل الثمرات، وذلك صحيح بخلاف قولك: كتبت بالقلم كما تقدم.
والثاني من معاني الباء التعدية، وذلك قوله: (وعدى) أي: عد بها بمعنى أجعلها لذلك المعنى، ومعنى التعدية أن تدخل في الكلام على معمول الفعل، فيصير في المعنى كالمعدى بالهمزة، وذلك قولك: ذهبت به، بمعنى أذهبته، وخرجت به بمعنى أخرجته، وقعدت به، بمعنى أقعدته. ومنه في القرآن الكريم: {ولو شاء الله لذهب بسمعهم وأبصارهم}. بمعنى: لأذهب سمعهم وأبصارهم؛ إذ لا يصح توهم المعنى الآخر؛ إذ فيه نسبة الذهاب إلى