إلى المهم وغيره، فمن مقاصد النحو ما هو مهم كالذي ذكر في نظمه، ومنها ما ليس بمهم كباب التسمية، ومسألة الأمثلة الموزون بها في باب ما ينصرف، وفصل الاستثناء من الاستثناء وما أشبه ذلك، إلا أنه يبقى وجه إتيانه بلفظ العموم، مع أنه لم يتكلم إلا على الجُلّ من المقاصد، بل على جاءني أهل مصر، إذا جاءك جلُّهم أو رؤساؤهم، وأهل مصر صيغة العموم كمقاصد النحو، ومن هنا صح الاستثناء الاستثناء من العام على ما هو مبسوط في موضعه، فإذا كان كذلك سقط الاعتراض فإن قلت: فلم لمْ يبين هنا كما بين هناك؟
فالجواب: إن مقصده هنا ليس البيان عما احتوت عليه على الحقيقة، وإنما مقصده أمر آخر خلاف ما قصد هنالك، وذلك أنه أراد هنا التعريف بأن نظمه احتوى على الضروري من علم النحو، لأن علم النحو يحتوي على نوعين من الكلام:
أحدهما: إحراز اللفظ عند التركيب التخاطبي للإفادة عن التحريف والزيغ عن معتاد العرب في نطقها -وما وقع عليه كلامها، حتى لا يرفع ما وضعه في لسانهم أن ينصب أو يُخفض، ولا ينصب ما وضعه في لسانهم على أن يُرفع أو يُخفض، ولا أن يؤتى بما حقه أن يكون عندها على شكل وهيئةٍ على شكل آخر وهيئة أخرى، بل يجري في ذلك على مَهْيَع نُطقهم، ومعروف تواضعهم. فإن كان المتكلم فيه مما قد تقدمت العرب للتكلم به، وحفظ عنهم لم يحرفه عما نطقوا به وإن كان مما لم يحفظ عنهم من التركيب النطقي، إما لأنهم لم يتكلموا به، أو تكلموا به ولم يبلغنا، أو بلغ بعضا ولم يبلغ بعضا، أعملنا في ذلك المقاييس التي استقرأناها من كلامهم