لقي الشيخ أبا حيان الغرناطي بالقاهرة، فسأله عن مذهب مدرسي العربية بغرناطة في هذه المسألة. قال: فأخبرته بامتناع التقديم، فقال: بل الصحيح الجواز قياسًا وسماعًا، ثم قام، فأخرج له مبيضة على تسهيل ابن مالك، وقرأ عليه وجه القياس. وأنشد له من السماع أبياتًا كثيرة.

قال الأستاذ: يرحم الله أبا حيان لقد أغفل أصلًا عظيمًا من أصول النحو مع كثرة دوره على ألسنة المقرئين، وذلك أن تقديم التمييز على عامله إذا كان فعلًا - يعني متصرفًا- لو كان جائزًا عند العرب لكثر نظمًا ونثرًا كثرة لا يمكن فيها تأويل، كما كثر تقديم الحال على عاملها إذا كان فعلًا نظمًا ونثرًا كثرة لا يمكن فيها تأويل.

قال: فلما كان الأمر على خلاف ذلك، دل دلالة واضحة على امتناع العرب من تقديمه على عامله وإن كان فعلًا، لأن اختصاص ذلك الشعر مع كثرة استعماله دليل على أنه من ضرائره. وزادني شيخنا أبو عبد الله البلنسي - أجله الله - في هذه الحكاية أن أبا حيان لما قرأ عليه تلك الأبيات على كثرتها قال له: ما تقولون/ في هذه الشواهد؟ فقال له الفقيه أبو جعفر: نجمعها جميعًا، ونقول هذا شاذ يحفظ ولا يقاس عليه. قال: فانزعج الشيخ أبو حيان لهذا الكلام، وإنما نبه الفقيه أبو جعفر بما قال على الأصل الذي أشار إليه شيخنا الأستاذ - رحمة الله عليه - وهو أصل متفق عليه عند الأكابر: الخليل وسيبويه، فمن دونها إلى الآن، وابن مالك قد يعتبره في مواضع كهذا الوضع، وقد لا يعتبره كما فعل في مسألة دخول واو الحال على المضارع الموجب، وفي مسألة الفصل بين المضاف والمضاف إليه بمعمول المضاف، وغيرهما من المسائل التي تقدمت إلى أخر ستأتي في مواضعها إن شاء الله.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015