وأبًا أكرم بزيٍد، ولا عسلًا لي ملء الإناء، ولا ما كان مثل ذلك، فإن ورد من ذلك شيء فهو من محفوظات الشعر، نحو ما أنشده الفراء من قول الراجز:

ونارنا لم ير نارًا مثلها ... قد علمت ذاك معد كلها

وأعني مع كون العامل غير متصرٍف، وإذا كان متصرفًا فسيأتي ما فيه، ولم يلتفت إلى تقديم التمييز على صاحبه دون العامل، لأن العامل إما أن يكون هو المميز أو غيره، فإنه كان هو المميز، فالنص على تقديم العامل نص على تقديم المميز، لأنه هو، وإن كان غيره فلا مبالاة بتقديم التمييز على المميز إذا كان العامل متقدمًا، فيجوز: اشتعل شيبًا الرأس، وطاب نفسًا زيد، ونحو ذلك. قال ابن الضائع: وهو متفق عليه.

وإنما اختلفوا في تقديم التمييز على العامل على تفصيل، وهو أنه لا يخلو أن يكون العامل متصرفًا أو غير متصرف، فإن كان غير متصرف في خلاف في منع التقديم، وأما إن كان متصرفًا، فإن النحويين اختلفوا فيه، فالجمهور من البصريين على منع التقديم، وإليه مال ابن مالك هنا، وفي الفوائد المحوية له، لأنه جعل التقديم نزرًا بقوله: (والفعل ذو التصريف نزرًا سبقا) يعني أن الفعل المتصرف قد جاء في السماع مسبوقًا بالتمييز، لكن نزرًا: نادرًا لا يعتبر.

فإن قيل: لعله أخذ في القياس بذلك النزر لأن النزر بمعنى القليل، والقليل عنده قد يقيس عليه، وقد تقدم من ذلك.

فالجواب: أن قوله أولًا: (وعامل التمييز قدم مطلقا) نص في وجوب التقديم، فاللازم عن ذلك أن تقديم التمييز عنده ممنوع مطلقًا في القياس، ثم

طور بواسطة نورين ميديا © 2015