فإن قيل: فقد أجاز سيبويه أن يكون (سيرًا) في قولك: سير عليه سيرًا على إضمار فعلٍ، وذلك قياسٌ. فهذا مثل ذلك. فالجواب: أنه إنما أجاز الإضمار لما كان عليه دليل، وهو الفعل الظاهر، فليس ذلك كمسألتنا؛ إذ لا دليل فيها. وتمام هذا الوجه في شرح ابن خروف فتأمله هنالك.
والأمر الثاني: التوقف في القول بالقياس في هذا المصدر؛ إذ لو كان عنده قياسًا لم يحتج إلى قوله: "بكثرة"، فلما قال ذلك دل على أن في القياس مغمزًا. ومذهب سيبويه والأكثر أنه ليس بقياس، فلا تقول: أتانا سرعةً، ولا أتانا رجلةً، كم تقول: أتانا عدوًا، وأتانا ركضًا، وقاس ذلك المبرد في كل شيء يدل عليه فعل من المصادر، فأجاز: أتانا سرعةً، ورجلةً، لأن السرعة والرجلة من ضروب الإتيان، ولا يجيز: أتانا ضربًا، ولا ضحكًا؛ لأنه ليس من ضروب الإتيان. والمذهب الأول أولى، لأن الحال- كما تقدم- في معنى الخبر، فكما لا يقع المصدر خبرًا عن الجثة قياسًا، وإنما يكون بالسماع فلا تقول: زيدٌ ضربٌ- ولا: أنت قيامٌ ولا عمروٌ أكلٌ قياسًا على قولهم: زيد عدلٌ، وزيدٌ رضا، فكذلك الحال لا يكون بالمصادر قياسًا، وكذلك الحال وصفٌ من الأوصاف التي تجري على النكرات فكما لا تقول: مررت برجل ضربٍ قياسًا على قولهم: مررت برجل عدلٍ، فكذلك لا تقول: أتيته سرعةً كما تقول: أتيته سعيًا. وهذا ظاهر.
وقوله: "ومصدرٌ منكرٌ حالًا يقع بكثرة" فقيد الكثرة فيه بكونه منكرًا تحرز من المصدر المعرف، فإن وقوعه حالًا قليلٌ، ومنه قولهم: أرسلها العراك، قال لبيد: