على هذا الوجه. ويدل على هذا القصد من كلامه قوله على إثر هذا: "ومصدر منكر حالًا يقع" فجعله- كما ترى- حالًا بنفعه، وهو مصدر، وعادة النحويين أن يقولوا في نحو: قتلته صبرًا: إنه مصدرٌ في موضع الحال، ولا يقولون عادةً: إنه حالٌ بنفسه، فكذلك يقدر جعله هذه الأشياء أحوالًا بأنفسها أمرًا جمليًا. وبهذا الوجه تظهر مخالفته ليونس في جعله وحده ظرفًا أو منصوبًا على إسقاط الجار، وهو مذهب مرجوح لم يره سيبويه؛ لأن معنى الظرفية فيه بعيدٌ، وأيضًا فإنه يلزم على قوله أن تقول: زيدٌ وحده، فتجعل وحده واقعًا موقع خبر المبتدأ، كان المبتدأ مصدرًا أو جثةً كسائر الظروف، وليس ذلك بجائزٍ عند سيبويه والخليل لما يلزم على مذهبها من رفعه، ولا يرتفع أبدًا. وعلى مذهب يونس لا يلزم رفعه؛ لأنه ظرف. ويبقى المذهبان الآخران أن يكون وحدك عند الناظم على رأي سيبويه والخليل، وأن يكون على رأي من يجعله مصدرًا في موضع الحال. فالله أعلم بمراده.
ثم قال:
ومصدر منكرٌ حالًا يقع ... بكثرةٍ كبغتةً زيدٌ طلع
يعني أن المصدر المنكر يكثر في كلام العرب وقوعه حالًا كما تقول: طلع زيدٌ علينا بغتةً، فبغتةٌ مصدرٌ واقعٌ موقع الحال، وكان الأصل فيه ألا يقع حالًا؛ لأنه غير صاحب الحال لكنهم لما كانوا يخبرون بالمصادر عن الجثث كثيرًا مجازًا واتساعًا، كقولهم: زيدٌ عدلٌ، وزيدٌ رضا، وصومٌ وفطرٌ، و:
* فإنما هي إقبالٌ وإدبار *