والحال إن عرف لفظًا فاعتقد ... تنكيره معنى كوحدك اجتهد
هذا هو الشرط الرابع من الشروط اللازمة المنبه عليها قبل، ولم يأت به تصريحًا ولكنه أتى به ضمنًا، فمعنى كلامه أن الحال إن ج اء معرفًا بأحد وجوه التعريف، فليس في الحقيقة بمعرفٍ، وإنما هو منكر، وهذا الكلام لا يقال إلا فيما ثبت له التنكير أصلًا يرجع إليه، فيريد أن الحال لا يكون أبدًا إلا نكرة، نحو: جاء زيدٌ مسرعًا، وكر زيدٌ راجعًا، ومر بشرٌ ضاحكًا، وما أشبه ذلك، فإن ظهر في اللفظ تعريفٌ فليس في المعنى كذلك، وإنما كان كذلك؛ لأن الحال غالب أمره أن يكون مشتقًا، وصاحبه معرفة، والحال خبرٌ من الأخبار فألزموه التنكير؛ لئلا يتوهم كونه نعتًا لا حالًا، وأيضًا فإن الحال فضلةٌ ملازمٌ للفضيلة؛ إذ لا يكون في الكلام عمدةً أصلًا، فلا يقام مقام الفاعل كغيره من الفضلات: المفعول به، والمجرور والظرف، وغيرها. فلم يستحق أن يعرف؛ إذ لا فائدة لتعريفه، واستحقه غيره من الفضلات لوقوعه عمدةً، وقيامه مقام الفاعل، فجاز مجيئه معرفةً، بهذا وجه التنكير في الشرح. وإذا صح استحقاقه للتنكير فمتى وجدته معرفةً في اللفظ فاعتقد تنكيره في المعنى. والتعريف للحال يكون بالإضافة، ويكون بالألف واللام.
فمما جاء مضافًا مثاله الذي مثل به، وهو: وحدك اجتهد، فوحدك حالٌ من ضمير اجتهد، ومثله جاء زيدٌ وحده، ومررت بهم وحدهم، ومررت بالزيدين وحدهما، فهذا ليس على ظاهره من التعريف، وإنما هو منكرٌ في المعنى؛ إذ معناه: منفردًا، ومنفردين، ومنفردَيْن، ومثل ذلك في لغة أهل الحجاز: مررت بهم ثلاثتهم، وأربعتهم، وكذلك إلى العشرة. قال سيبويه: "وزعم