والثالثة: أن إطلاقه في جواز الوجهين دليلٌ على مخالفته للفراء القائل بأن المستثنى منه إن كان معرفة فالوجهان، وإن كان نكرةً فلا يجوز النصب، فقوله تعالى: {ما فعلوه إلا قليل منهم} لما كان معرفةً جاز الوجهان، ولما كان نكرة في قوله: {ولم يكن لهم شهداء إلا أنفسهم} لم يقرأ إلا بالاتباع. قال المؤلف: "ولا حجة له؛ لأن النصب هو الأصل، والاتباع داخلٌ عليه، وقد رجح عليه لطلب المشاكلة فلو جعل بعد ترجيحه عليه مانعًا منه لكان ذلك إجحافًا بالأصل".
والقاطع في المسألة ما حكى سيبويه عن يونس وعيسى بن عمر: "أن بعض العرب الموثوق بعربيتهم يقول: ما مررت بأحدٍ إلا زيدًا، وما أتاني أحدٌ إلا زيدًا" وهو نص في موضع الخلاف.
والرابعة: أنه بإطلاقه قائلٌ بجواز الوجهين كان المنفي مما يصلح في الإيجاب أولا خلافًا لمن قال من القدماء: إن المنفي إذا صلح أن يقع في الإيجاب فلا يجوز فيه إلا النصب، فيجوز عندهم أن تقول: ما قام أحدٌ إلا زيدٌ، ولا يجوز أن تقول: ما قام القوم إلا زيدٌ. وإنما تقول: إلا زيدًا، ورد عليهم سيبويه بالسماع والقياس، فأما السماع ففي القرآن الكريم: {ما فعلوه إلا قليلٌ منهم} وأيضًا فإنه حكى عن يونس عن أبي عمرو بن العلاء أن الوجه