الأرض إلا قليلًا ممن أنجينا منهم} وذلك كثير، وجميعه مما وقع الاستثناء فيه بعد تمام الكلام من غير افتقر إلى ما بعد إلا. هذا معنى الكلام على الجملة، ثم فيه بعد مسائل خمس:
إحداها: أن قوله: "ما استثنت إلا" نسب فيه الاستثناء إلى الأداة، وليست هي المستثنية، وإنما هي مستثنى بها، ولكن لما كانت الأدوات في هذه الصناعة إليها ينسب العمل، وتضاف الأحكام ساغ ذلك فيها أيضًا، فجرى على مطلق الاصطلاح، كما يقال: ما النافية، وإن المؤكدة، وما الكافة، وليست هذه المعاني إلا فعل المتكلم، وله أصل في كلام العرب أن ينسب الفعل إلى ما انتسب إليه بوجهٍ ما، كقولهم: نهاره صائمٌ، وليله قائمٌ، وفي التنزيل الحكيم: {بل مكر الليل والنهار} وهو كثير.
والثانية: أن الظاهر في إطلاقه الاستثناء إنما هو بمعنى الإخراج حسب ما فسره في التسهيل، فكأنه قال: ما أخرجت إلا، والإخراج في الحقيقة إنما يظهر في الاستثناء المتصل، وأما المنقطع فلا يصلح فيه الإخراج؛ إذ كان الإخراج مخصوصًا بما كان من الجنس، فلا يقال: إن الفرس في قولك: رأيت بني فلان إلا فرس أحدهم مخرجٌ؛ إذ ليس الفرس من جنس بني فلان، إلا أن يتأول ذلك بمجازٍ بعيد. وهو قد يشمل المتصل والمنقطع بكلامه، فقد يشكل هذا.
والجواب: أن الاستثناء شامل لهما معًا، لأن الإخراج حاصلٌ فيهما لكن تارةً يكون الإخراج تحقيقًا، وذلك في الاستثناء المتصل، وتارةً يكون تقديرًا، وهو في الاستثناء المنقطع، وهذا يتنزل بناء على ما رآه المازني في وجه الإبدال