وإن أراد الوجه الثاني دخل له بمقتضى المثال النوعان المذكوران المختصان بالجملة الاسمية، ودخل له أيضا ما كان من نحو: تبسمت وميض البرق، ونحو:
*إذا رأتني سقطت أبصراها دأب ... *
وما أشبه ذلك. وعلى هذه الطريقة يكون هذا النوع عنده من قبيل ما يقاس وإن قلَّ؛ لأنه راجعٌ إلى ما يفهم من الجملة من معنى فعل آخر، فينتصب المصدر من ذلك المعنى كما قيل في وصف النفوس الآبية عن الانقياد إلى أحكام الله سبحانه: "هذا وإن شمس آبقها، أو لبس بغير تلك اللبسة منافقها، فلم تزل عاكفة على باب منته حقائقها، بملازمة التسبيح والخضوع والسجود، رجوعا يقتضيه فقر العبيد إلى غنى المعبود، ويجليه نقض العزائم وحل العقود" فقوله: رجوعا مصدر يلزم إضمار عامله؛ لأن قوله: فلم تزل عاكفة إلى آخره يؤدي معنى أنها راجعة إليه، يعني إلى الله تعالى مصرفة تحت حكمه؛ ولذلك يجوز لك أن تقول: بوأت زيدا أرفع المجالس إكرام من يعرف قدره، ومررت به فلم يلتفت إلى إعراض العدو عن العدو، وما أشبه ذلك، فقد يقال بالقياس في مثل هذا، وإن قل في الكلام استعماله كما دخل له: فيها صوتٌ صوتَ حمار، وإن كان قليل الاستعمال. وإن أراد الوجه الثالث كان قد اقتصر من ذلك كله على ما يماثل المثال، وهو النوع الأول نحو: له صوتٌ صوتَ حمار، ويبقى ما عداه مقصود الخروج؛ إذ كان المثال يتضمن شرطين: أحدهما: كون الجملة اسمية. والثاني: كونها اشتملت على الفعل والفاعل معا في الذكر، ويكون إخراجه لما سوى ذلك إما لكونه لم يبلغ عنده مبلغ القياس، وإما لأنه مقصوده بيان أنواع يكثر استعمالها لزم فيها حذف الفاعل؛ إذ لم يقصد حصر جميع